الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أردوغان «الزلنطحي».. يحول آيا صوفيا إلى مسجد


إن توقيع رجب طيب أردوغان يوم الجمعة قرارا بتحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، هذا الأمر الذي استنكرته جهات دولية عدة. في ذات الوقت الذي هلل له أنصار الخليفة المزعوم، بل إن شئنا قلنا المذعور، يعكس الكثير من المعاني، وله العديد من الدلالات.


دعونا في البدء نؤكد على أن أردوغان عمل منذ البدايات الأولى له في العمل السياسي على تقديم نفسه، وإن تذبذب كثيرا في ذلك، على أنه يمثل الإسلام في المجال السياسي، ذلك الذي أكسبه شعبية لم نستغربها في المجتمع التركي، الذي لا يستطيع أحد أن ينكر ارتباطه بالإسلام كدين وعقيدة، وإن كان هذا الدين الإسلامي مصبوغا بصبغة تركية خاصة، ما أظن أن يرتضيها أنصار أردوغان في المنطقة العربية، وإن كان هذا ليس موضوعنا، حيث إن ما نسعى لإيصاله لعقل القارئ الكريم، هو كيف يستخدم السياسي أردوغان الدين للوصول به إلى أغراضه، التي هي بعيدة كل البعد عن الدين.


فالناظر لما يخرج عن أردوغان يعلم دون الحاجة لتأمل عميق أنه متناقض تناقضًا حادا في مواقفه، ومتذبذب تذبذبا شديدا في تصرفاته، وليس أدل على ما نذهب إليه من ذلك المشهد التمثيلي الذي قام به أردوغان في منتجع دافوس حينما أعلن انسحابه من المنتدى إثر مشادة حادة مع الرئيس الإسرائيلي على خلفية أحداث غزة حيث اتهم أردوغان إسرائيل بقتل الفلسطينيين، في ذات الوقت الذي دافع بيريز رئيس الوزراء الإسرائيلي بانفعال عن حملة بلاده. هذا الموقف الذي جعل أردوغان يتم استقباله استقبال الأبطال حيث احتشد الآلاف في اسطنبول لذلك.


هنا، ولقد تعرضت لهذا الأمر في مقالات سابقة، يمكن للقارئ الفطن أن يتابع الموقف بعد هذا المشهد التمثيلي الذي أداه أردوغان ليراقب العلاقات التركية الإسرائيلية، ليجيب على هذا السؤال: هل حقا كان انفعال أردوغان صادقا نابعا من قلبه وعقله دفاعا عن أهل فلسطين المقيمين في غزة؟ أم كان المشهد ليس إلا لدغدغة مشاعر البسطاء من المسلمين؟ والإجابة إن كانت العلاقات التركية الإسرائيلية قد شهدت تراجعا على مستويات التعاون العسكري أو الاقتصادي بالإضافة للسياسي، فهي تؤكد إجابة السؤال الأول هي: نعم، إنه كان صادقا فيما أتى به في منتجع دافوس، أما إن كانت العلاقات التركية الإسرائيلية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والعسكرية مستمرة حتى الآن، بل وتشهدا تطورا، فتكون الإجابة عن السؤال الأول هي: لا، وتؤكد أن الرجل ممثل بارع استطاع أن يخدع البسطاء ويستولي على عقولهم البسيطة.


وليس خافيا على القارئ المطلع عمق العلاقات التركية الإسرائيلية على المستوى العسكري، وإذا كان القارئ الكريم في حاجة إلى تذكير فلنذهب إلى ما ذكره موقع «UA Wire»، نقلًا عن وكالة الأنباء الروسية «FAN»، في الخامس عشر من يونيو الماضي حينما ذكر أن تكنولوجيا الطائرات بدون طيار التي تستخدمها تركيا في ليبيا، حصلت عليها أنقرة من إسرائيل.


أما على المستوى السياسي فنجد تركيا تستعين بإسرائيل في محاولة منها لإقامة حلف يواجه آلية التعاون المصري اليوناني القبرصي في البحر المتوسط، وإذا كانت اليونان وقبرص ومصر تنطلق في هذا التعاون من باب الدفاع عن سيادتها وعن حقوقها شرق المتوسط، فإن المقاربة التركية تعتمد على نظرية “الهجوم” في العلاقات الدولية من دون مراعاة أحكام القانون الدولي بحذافيرها خاصة في ما يتعلق بالمياه الإقليمية وتعيين الحدود والمناطق الاقتصادية الخالصة، وخير عون لها في ذلك إسرائيل، حيث الاثنين من نفس المدرسة المحتلة الغازية.


ولو أردنا تقاربا تركيا إسرائيليا واضحا كوضوح الشمس في كبد السماء فلن يكون بعيدا، بل هو نصب أعيننا في سوريا الشقيقة كما يؤكد ذلك تقرير لوكالة الأنباء الروسية حيث يشير إلى أن إسرائيل وتركيا اتفقتا على استمرار حالة عدم الاستقرار في سوريا لأطول فترة ممكنة، من أجل إبطاء عملية استعادة وحدة الأراضي السورية.


أما من الناحية الاقتصادية فهي أكثر تلك العلاقات التي تكشف أوهام العداء المزعومة، وهي علاقات ممتدة منذ إقامة دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المغتصبة، والتي تطورت في عهد الخليفة العثمانلي المزعوم أردوغان، لتستمر تركيا في حجز المركز الأول في التبادل التجاري مع الكيان الصهيوني حيث كشفت بيانات إسرائيلية، عن حجم التبادل التجاري مع تركيا والذى يتخطى الـ 4 مليارات دولار، لتظل بالمركز الأول على مستوى الدول الإسلامية.


أما على مستوى العلاقات "الإنسانية" بين تركيا وإسرائيل فلعل ما نشره موقع بلومبيرغ الأميركي، أثناء ذروة أزمة فيروس كورونا، نقلا عن مسؤول تركي “كبير”، “ من أن تركيا تزود إسرائيل بمعدات وقاية شخصية، وأن أنقرة وافقت على بيع معدات طبية لإسرائيل لأسباب إنسانية”. لهو دليل ليس وراءه دليل، مهما برر ذلك، بهتانا وزورا، مجاذيب أردوغان باشتراط الأخير وصول بعض المساعدات للفلسطينيين، على تلك العلاقات المتميزة التي تربط تركيا الأردوغانية بالكيان الصهيوني.


إن كل ما سبق يؤكد لكل من له عينان أن أردوغان لا يذهب فيما يتفوه به من قول، أو ما يقوم به من فعل إلا لدغدغة عواطف العامة والبسطاء، هؤلاء الذين يستمعون الصوت ولا ينصتون إلى صداه.


هذا الذي يؤكده هذا الصخب من هؤلاء البسطاء المخدوعين المغشية أبصارهم فيما قام به الخليفة "الزلنطحي"، من تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، والذي لو سألوا أنفسهم عما لو كان الأوْلىٰ بمن يشغل الرأي العام العالمي بتحويل الكنيسة البيزنطية القديمة إلى مسجد ويصدر لذلك بيانا حول الأمر نشره عبر تويتر حيث قال: "تقرر أنّ آيا صوفيا ستوضع تحت إدارة رئاسة الشؤون الدينية وستفتح للصلاة". لو سألوا أنفسهم: أيهما كان الأوْلى أن يمنع بيوت الدعارة المنتشرة في تركيا، أو يحول المتحف الذي كان قد تم تصنيفه كجزء من موقع التراث العالمي للمناطق التاريخية في اسطنبول؟. 


وهنا لا نستبعد أن يخرج علينا من لا يريد الربط بين هذا وذاك، ليس لأنه لا ربط بينهما، بل لمراوغتهم الدائمة في كل ما يخص قول أو فعل من الخليفة المزعوم.


إننا نذهب بوضوح شديد إلى أن ما أقدم عليه أردوغان لا يعدو ضربا من اللعب على مشاعر بسطاء المسلمين الذي يفرحهم أن يتم تحويل "كنسية" إلى "مسجد" حيث وَقَرَ في ذهنهم، نتيجة لما يردده الصغار من المشايخ" من أن مثل ذلك يعد نصرا للإسلام، في ذات الوقت الذين يضربون بعرض الحائط ما يخرج عن مشايخ هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف الذين رفضوا مثل هكذا عمل، يدركون ويعلمون أنه، أولا، ليس من الإسلام في شيء، وثانيا، فإن ضرره، أكبر من نفعه إن وجد.


إن ما أقدم عليه أردوغان من تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد، لهو لدينا دليل فشل لسياساته فيسعى من مثل هكذا فعل من تبيض وجهه أمام أنصاره الذين سلبهم أعز ما يملك بني آدم وهو العقل، وفعله عند العلماء الثقات في الأزهر الشريف ليس نصرا للإسلام كما تصور آلته الإعلامية لمجاذيبه. 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط