الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بطاقة عضوية جنة الصحفيين


نؤمن بأن مفاتيح الجنة بيد الله، ونتفق على وجوده ويخالفنا فى هذا من أبى، هذا ما يخص الكافة منا حين نفكر فى البعث والحساب والجزاء.

فى الدنيا؛ ومع سيرة الرزق؛ يسمى كل أهل مهنة أماكن مميزة فى إدارتها "الجنة"، فتجد مؤسسة كبرى مثلا يقول معلم أو موظف بأحد الكيانات التابعة لها إنه يتمنى الانتقال إلى الإدارة الأم، ويسعى لحصد الوساطات من كبار مسئولين وساسة ورجال أحزاب مقربة إلى سلطة وأجهزة، لأجل دخول "الجنة" فى جهة عمله، وهكذا يفكر بعض أهل مهن شتى فى وزارات وكيانات مختلفة، حتى أهل المهنة الحرة.

الحراك نحو نموذج "الجنة" تدعمه أدوات وتشريعات ولوائح تجيز لمسؤول الإتيان بأي شخص يتبعه من أى مستوى إلى داخل جدرانها، بقرارات الندب وعقود العمل اليومي وغيرهما، فنجد "فلان" وقت الفراغ مستشارا قانونيا لوزير أو رئيس هيئة لقاء راتب كبير للغاية يثير غضب موظفين بينهم؛ أكفاء بالضرورة؛ داخل ذات الكيان، وقراره من زاوية أخرى يعطل الاستعانة بأكفاء مماثلين ممن ليست لهم حظوظ كبيرة فى الإلتحاق والقبول بوظيفة.

قس على ذلك ما تتكلفه الدولة من نفقات لقاء تلك القرارات غير الخالية من شبهة المجاملات، كأن تجد موظفا بأي جهة حديث التعيين والعهد بعمله، حضر منتدبا لجهة "وقت الفراغ" بأجر إضافي كبير يوسع الهوة المادية بين طبقات مجتمعية من نفس بيئته الوظيفية.

فى مجتمع الصحفيين، اعتمدت فئة من ممارسي المهنة عبر "القومية" من الإصدارات والمؤسسات، على دعم وحماية الدولة لها رغم خسائر تتحدث عنها أرقام توزيع الصحف بعد ظهور الصحافة الإلكترونية، ولدى الحزبية تحرك قوة السياسة التحريرية للجريدة طاقات البعض فى الظهور والتباهي والتعامل مع المصادر بدرجات متفاوتة، وكذا الخاصة التى عرفت نموذج "المال السياسي الموجه" والذي لا تعرف مصدرا واضحا له يكفل استمرارها؛ ولو اطلعت على أوراق تأسيسها لدى هيئة الاستثمار والوطنية للصحافة، وسط تآكل للإعلانات أمام الكافة.

وبحسب قوة كل كيان وطبيعته، تتفاوت دخول الصحفيين دون منطق واضح لإدارة الأمور داخله؛ وأولها المورد البشري وبعده المادي، وتتبدل الأحوال بحسب طاقة وكفاءة كل إدارة لمواردها على المدى البعيد.

من هنا ظهرت مؤسسات وتراجعت واختفى بعضها أيضا، حتى إذا ما غاب عن الوجود اكتشف زملاء كارثة عدم قدرتهم مستقبلا على صرف معاشات لامتناع أصحاب العمل عن سداد اشتراكاتها التأمينية، أو فصلهم دون علمهم، وبعض المؤسسات وبينها حزبية وخاصة يشاع فى الوسط الصحفى أن الزميل العامل داخلها يسدد حصته وحصتها التأمينية لصالح صاحب العمل، الذي بدوره لم يسددها للتأمينات.

كما يشاع أن زملاء تحصلوا على تعييناتهم بالإتفاق على عدم الحصول على أجور مقابل حصولهم على بطاقة عضوية نقابة الصحفيين "الجنة"، والقيد بجداولها وتغيير المهنة فى بطاقة الرقم القومي إلى "صحفي" وتحصيل بدل التدريب الشهري.

فى هذا المناخ تولدت عمليات الابتزاز والظلم، ربما بعضها تم بالتراضي، فى غياب رقابة على إنفاذ قانون العمل وقانون الصحافة ذاته، وكلاهما بالضرورة يتحدث عن إثبات علاقة العمل والتعاقد والتأمين على الصحفى بعد مرور مدة معينة على وجوده داخل المؤسسة لا تزيد بأي حال عن ستة أشهر.

مع عدم تقدير المؤسسات للقانون وإهمال الجهات الرقابية من مكاتب العمل والتأمينات بالأخص إنفاذه، وحلم الزملاء بالجنة وارتضاء بعضهم بظلم نفسه، لا تزال إدارات تحرير صحف تبتز كثيرين بجزرة للتعيين وكسب شرف الانتماء لمهنة لها من المعاناة الآن ما تلاقيه وممارسوها.

الحال فى تلك المؤسسات، وهنا أتحدث عن الحزبية؛ والخاصة ذات الطابع الحزبي أو السياسي، لا يختلف عن واقع الفشل الذي أصاب عقول وضمائر القائمين عليها، وفشل العقل فى إدراك صاحبه مبرر وجوده، بينما فشل ضميره فى الامتناع عن الاعتراف بجريمة معنوية أدبية يراها صاحبها أمرا اعتياديا، وهى النصب والاحتيال السياسي.

شخصيات سياسية تراها المجتمعات رموزا لم تمتنع عن إرتكاب هذه الأفعال بحق شباب الصحفيين، شاركها فى ذلك رؤساء ومديرو تحرير صحف سعوا لضمان وظائفهم وأجورهم فى مهنة يعرف ممارسها مؤخرا أنها لا تعترف بالشيخ والكهل إلا أصحاب الحسابات والبارعين فى التجانس مع أرباب المصالح والمنافع.

وعليه؛ استمرت عمليات التضحية بأعمار شباب المهنة ليصبح الحق فى الأجر والتأمين والعمل والتعيين وعضوية "جنة الصحفيين" حلما، ويصبح الوصول إليه مرهونا بإرادة أرباب الشعارات الزائفة الذين سبوا مبارك وعهده، ونشطوا مع أو ضد جماعة سنة حكمها، وفضحوا أنفسهم الآن مع حديثي العهد بالسياسة ذاتها.

كارثة تغييب حقوق الصحفيين؛ وشبابهم بالأخص؛ مؤسسية فى الأصل، تشريعية ورقابية موضوعا، مهنية ونقابية ولا مفر من الاعتراف بذلك مع تباين أداء المجالس المتعاقبة حيال أزمات تعيين أو فصل الصحفيين، فدور النقابات كافة مدون فى مادة تأسيسها، "الثالثة" لدينا، وهى الدفاع عن حقوق الصحفي لدى صاحب العمل.

بعد 21 سنة قضيتها داخل المهنة، أستطيع القول بأعلى صوت أننى لم أولد لأصبح صحفيا، بل لأكون إنسانا قادرا على فعل ما أستطيع وأحلم به، ونجاحاتي فى حياتي ليست مرهونة بقيد بجداول نقابة أو الانتماء لعمل مؤسسي أدرك تماما أن الصراعات داخله أكبر من الحرص على تحقيق الإنجازات، وأعرف الآن حقيقة أن أصحاب المهن الحرة "أبناء المدارس والجامعات"، تتبدل اختياراتهم فى ظل تغيرات وتقلبات اقتصادية واجتماعية شديدة، أدعو خلالها كل شاب للتمسك بحلمه بالتأكيد، شريطة ألا يكون بيد غيره من طغاة المؤسسات أو المتلاعبين بالتشريعات.

الحياة أجمل من القسوة على ذاتك بأن تقبل عذابا على يد من يجبرك على حمل صخرة والصعود بها فوق جبل؛ ثم يلقى بها أمام عينيك ثانية ليأمرك باستعادتها والصعود بها مجددا، ليوهم إياك بدخول الجنة حال طاعته.

لا تأمل بوعود آخرين لك فى أمر رزقك وقوتك وعملك، خاصة فى مهنتنا هذه، "الصحافة"، ولا تفزع من قباحة وجوه تتسق مع ذاتها فى التلون والاحتيال على الوعي والإتجار بآلام الغير، إذا أردت أن تكون صحفيا محترما تسهم فى رفع وعي مجتمعك وحقوق أفراده؛ أو مواطنا يفهم حقه وحريته ودوره؛ أو بالأصح إنسانا حكيما متعقلا.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط