الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. عصام حجازى يكتب: المقارنات وفن الحياة

صدى البلد

يرى العديد من مدربي التنمية البشرية أن مقارنة الإنسان لنفسه مع غيره هي من المحرمات التي لا يجب الاقتراب منها فالمقارنة لا تأتي بخير و تورث الألم والحقد والضغينة بينما يرى العديد من الدعاة أن الإنسان عليه أن يقارن نفسه بمن هو أدنى منه ولا  ينظر إلى من هو أعلى وأفضل كما يعلمنا النص الديني في قصة العبد الصالح أن علينا أن نقارن ما بين ما حدث من صنائع الاقدار (والذي يبدو شرا أو أذى للإنسان) والسيناريو الأكثر سوءًا (والذي لا نعرفه لكن يجب أن نفترضه لكي نؤمن بخيرية الأقدار) فالأقدار لا تريد لنا سوى الخير مهما حملت من شر علي حد تعبير الشاعر الإنجليزي ألكسندر بوب عندما قال "whatever is , is right"  أو كما نقول بالعربية " الخيرة فيما أختاره الله" . وما كنا لندرك أن الخيره فيما أختاره الله في قصة موسى والعبد إلا حينما قارننا بين ماحدث وما كان ممكن أن يحدث حين فسر العبد الصالح مافعل لموسى عليه السلام.
 
وفي مجال علم النفس تري عالمة النفس الشهيرة كارين هورني أن السواء normality  هو حالة وسط بين عدد من المتناقضات، فإذا تخيلنا أن هناك مسطرة أمامنا تمتد من "صفر إلي عشرة سم"  فإن رقم الصفر يعني حالة اللا مقارنات ورقم العشرة يعني حالة المقارنات الكاملة وفي رأي كارين هورني أن تلك الحالتين تنمان عن وضع غير سوي للنفس فحالة الإنسان الذي يعيش في بلادة وبمعزل عن الآخرين لا يتأثر بهم ولا يؤثر فيهم (وقد تكون حالة إيجابية من العزلة أو حالة مرضية من التناحة)  هي حالة غير سوية أما حالة الأنسان الدائم المقارنات السريع التوتر الذي يقارن ذاته بغيرة في كل صغيرة وكبيرة في الصحة وفي المال وفي الولد و في العمل وفي السيارة و في المسكن وفي حب الناس ، تلك هي الحالة المرضية للمقارنات أما فعل المقارنة نفسه فهو فعل فطري ومحفز والقرآن الكريم كتاب ملئ بالمقارنات بين أهل الجنة وأهل النار بين الدنيا والأخرة  بين الإيمان والكفر " أفمن كان مؤمنًا كمن كان فاسقًا لا يستوون" (السجدة-18) وقد شجع  القرآن الكريم علي التنافس وما يمكن للمنافسة أن تتم بلا مقارنة في الاستعداد وبذل الجهد والدول لتنهض تقارن تجاربها ببعضها البعض والمؤسسات الدولية تصنف جودة الدول في التعليم والصحة والفساد وفقا لمعايير وتقارنها جميعا وفي قطاع السوق تقارن الشركات دخولها بغيرها وسياساتها بغيرها كما تقارن الشعوب أوضاعها بغيرها فالمقارنة تسمح بحيز من التطوير وحيز من الحركة والتفاعل الصحي مع الذات والآخرين وأنا لا أستطيع الحكم علي ذاتي ومهاراتي إلا حين أقارن نفسي بغيري فلا أستطيع القول أن مهاراتي هي أفضل المهارات إلا حينما أرى مهارات الآخرين  و الخلاصة أن بعض المقارنة صحي ومطلوب فلا تخشوا المقارنة  و إن كان هناك تغيير فليكن في طريقة التفكير وفي تبني المنهج الإيجابي في الحياة والنظر للآخرين positive mindset  ولهذا حديث آخر.

-