الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رضا نايل يكتب: قلادة البومة الزرقاء

صدى البلد



لعلكِ هناك في شرفتكِ تقرئين اعترافي هذا، فأنتِ مثلي تحبين الشتاء، هكذا قلتُ لنفسي، وأنا أفتح باب شرفتي للمطر والرياح تعري الأشجار من أوراقها ولا تأخذها بعيدا لأنها لا تقوى على حمل الأوراق المخضلة بماء المطر بل تبعثرها على أرضية الشارع المرصوفة بالحصى الذى غسلته الأمطار مكونة بركا ضئيلة بين فراغات الحصى سرعان ما تذوب وتختفى مع أول طلة لشمس الشتاء الواهنة، فالمطر والرياح والأشجار العارية، وشمس الشتاء الباردة يأخذوني إليكِ، وأنا أحاول النسيان، ففي النسيان راحة لذيذة، تشبه ذلك الإحساس الذي يسري في الجسد عقب ألم عميق، فيجعلني أشتاق إليكِ وأخشاكِ، كلما تذكرتُ أن عليِّ أن أنساكِ مرتين، مرة كصديقة، والأخرى كحبيبة، فقد كنت أتابعكِ على الفيس، وما تكتبينه على حسابكِ كان يضحكني قليلا، ويحزنني كثيرا، فقد أصبح يغلب على ظني أنكِ سقطت من ذاكرة الناس جميعا، حتى نسوا عنوانكِ، وتركوكِ منفية غربية وأنت تعيشين بينهم، وهذا خلق داخلي مشاعر كلاسيكية تجاهكِ جعلت الناس جميعا يسقطون من ذاكرتي وتسكنينها أنتِ، لذا كانت متابعتكِ والتعليق على "بوستاتكِ" واجبًا يوميًا عليِّ القيام به خوفا من العقاب، كتلميذ في المرحلة الابتدائية، وكانت ردودكِ على التعليقات تمنحي تلك اللذة والفرحة اللتين يشعر بهما هذا التلميذ لحصولها على "عشرة على عشرة ممتاز"، ورغم ذلك كنت أخشى التواصل معكِ على "الشات"، وهذا يؤلمني كوخز الإبر، وأدركت أن تلك المشاعر الكلاسيكية قد تحولت كما قال المنفلوطي: " العطف هو حب، يرتدي رداءً غير ردائه"، عندما رأيتكِ في محطة المترو، فلم يعد الألم وخزا بالإبر، بل أحسست كأنما هناك فأر يقرض قلبي، الذي تعالت دقاته وأصبحت كقرع الطبول الإفريقية، عندما وقعت بصري على قلادة مزينة ببومة زرقاء تتدلى على نهدين صغيرين كثمرتين توقفتا عن النمو أسفل بلوزة شيفون زرقاء ترتديها تلك الجالسة قبالتي في عربة المترو، ويحجب الزحام وجهها عني، فانتفضت كمن لدغته أفعى، فقلادة البومة الزرقاء، هي إكسسوارك المفضل دائما في كل صورك على الفيس بوك، فملت برأسي في حرص وحذر وأنا أسترق النظر إليكِ، وعيني تصافح وجهكِ، ثم أسدلت جفوني عليكِ برفق كأني أضع طفلا في المهد، وبداخلي فرح طفولي، فكما كنت محظوظا للغاية أن مر وقت ما  في حياتي وأنا معكِ، حتى لو كان في عربة للمترو وسط الزحام، حتى لو كان ذاك الوقت هو الذي استغرقه من عنده علم من الكتاب ليأتي بعرش بلقيس، فقدت غادرت عربة المترو في المحطة التالية، خشية أن أعرف عنوانكِ، فأنتظركِ هناك.
بينما أنتظركِ الآن.. أن تغلقي شرفتكِ حين يتوقف المطر، ثم تعلقين على اعترافي بصورة لقلادة البومة الزرقاء.