الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

انتخابات الشيوخ.. لها ما لها وعليها ما عليها!


البعض يستخف بفكرة التباهى بالاستقرار الذي تنعم فيه مصر، رغم الفاتورة القاسية التى دفعها ويدفعها كل المصريين شعبا وقيادة من أجل الوصول والاستمرار في هذه الحالة، وسط تحديات لا بعدها ولا قبلها تاريخيا، داخليا وإقليميا ودوليا.


لكن، واقعيا، من حقنا مثلا أن نتباهى بأننا نجرى انتخابات اعتيادية، وأغلب الدول المحيطة بنا لا تستطيع إجراءها بهذه الوتيرة، فإسرائيل على وشك انتخابات رابعة خلال العامين الأخيرين وسط تخبط وتوتر سياسي وأمنى كبير، ولبنان والعراق دعيا لانتخابات مبكرة، تعكس الوضع السياسي والأمني الداخلى والإقليمى المعقد جدا.


 وليبيا لا تستطيع أساسا مجرد التفكير في الأمر، والسودان لايزال أمامه وقت طويل لأقرب انتخابات، وإثيوبيا أجلت انتخاباتها بحجة كورونا لصالح آبي أحمد،الذي يعانى توترات مستمرة بين حين وآخر، وحتى فلسطين لا يمكنها إجراء الانتخابات بسبب الانقلاب الحمساوى والعراقيل الأمريكية والإسرائيلية، وتركيا تخرج انتخاباتها كما يريد الإخوان وصنمهم أردوغان، فحتى لو فاز خصومهم يعيدون الانتخابات ويقرونها فقط عندما تكون النتيجة لصالحهم.


سوريا تترقب انتخابات انقلابية لصالح القوى الأجنبية أكثر منها لصالح السوريين، يحولون من خلالها سوريا لعراق جديد، أو حتى ولاية إسرائيلية لا صوت لها ولا حس!


هذا هو واقعنا المحيط، دون مقارنات مباشرة أو حتى غير مباشرة، ودون الدخول في تفاصيل تبعدنا عن محورنا الأساسي، وبالفعل انتخابات مجلس الشيوخ على كل سلبياتها التى يجب الوقوف أمامها كثيرا، من نماذج التوريث المستفز لرجال أعمال وسياسيين نعرف جميعا تاريخهم المثير للتساؤلات، والوجوه المزعجة التى أربكت المشهد بعودتها وأخرى بمجرد ظهورها، والكيانات والوشوش المتأسلمة التى تقلقنا كثيرا عودتها، إلا أنها تستحق المشاركة فيها، ولو بإبطال الصوت، كما يرى البعض ذلك، فهناك وجوه في الفردى جيدة، ومحاولات في القائمة تستحق دعمها.


وندعو الدولة المصرية للتدخل لضبط المشهد السياسي، الذي تضربه اختلالات كثيرة تهدده للأسف، وتجعل بينه وبين الرأى العام وحتى النخبة الوطنية لا المزايدة، فجوة كبيرة، يستغلها الأعداء والخونة والمتلونون.


بسبب كل الملاحظات وغيرها، تبلورت أجواء انتقادية لمجلس الشيوخ، حتى قبل أن يظهر، وبقي الأمل كالمعتاد في تدخل الرئيس، من خلال التعيينات الرئاسية، التى تقدر بثلثي المجلس، فالكل يتعلق بقرارات الرئيس ليعيد للغرفة الثانية رونقها وسط هذا الارتباك، ووفق ما لدى فإن العمل على قدم وساق في هذا السياق، وهناك على الأقل ٤٠٠ اسم، مقدمة لفرق مستشارى الرئيس للتشاور حول ملفاتها، لتقديم ١٠٠ كفاءة قادرة على مواجهة التحديات المتوقعة مع عودة الغرفة البرلمانية الثانية، التى تستحق تاريخيا توصيف الغرفة البرلمانية العليا!


الأغرب، أن بعض الشائعات ترددت في سياق أسماء ما، تحاول بأية طريقة الترويج لنفسها، ونحن ندعو الجميع لتحمل المسئولية التاريخية في إطار اختيار الأسماء اللائقة لمرحلة جديدة صعبة، ويكفي على مكتنزى المناصب والوجوه المعتادة، كل الفرص التى منحت لهم، وفشلوا فيها وعطلوا وشوهوا إنجازات الدولة غير المسبوقة.


مجلس الشيوخ، بحق لا يستحق منا كل هذه الانتقادات، لأنه تاريخنا، وكان سندنا في أزمات عديدة خلال حقب مختلفة، والدولة اضطرت دستوريا لإجراء هذه الانتخابات في هذه الأجواء رغم ضربة الكورونا، ويجب أن نقدر هذا البعد، والذي تسبب في إخراج المشهد على غير المأمول في الوجوه وأساليب العمل والاختيارات، ولا يمكن تجاهل فكرة الأعداد القليلة للمرشحين، والتى تعكس في الأساس صعوبة الأجواء، ونفور البعض من الصلاحيات الضعيفة لمجلس الشيوخ، وفق رؤيتهم، وترقبهم لانتخابات مجلس النواب، خاصة أن التسريبات تدور في إطار إبعاد قرابة ٧٥% من النواب الحاليين بسبب الأداء وأمور أخرى، تظهر بعد سقوط الحصانة البرلمانية.


لكن الرأى العام والنخبة لا يقبلون هذه التقديرات التى يعتبرونها تبريرات غير واقعية، ويرون أن هناك أخطاء كارثية في المشهد، يجب معها المقاطعة، والغريب أن هذا تم ترويجه من خلال أسماء وقوى معروفة بدعمها للدولة، وهذا مؤشر خطير، وزاد الأمر تخبطا مع غياب خطة إعلامية حقيقية لشرح الأمر، والمشاركة في التبصير خاصة في ظل الإجراءات الاحترازية لمواجهة الكورونا، فلم يعد ممكنا أن يقوم المرشحون بلقاء الناخبين في السرادقات ولا المسيرات ولا الحملات الانتخابية المعتادة، وفق تعليمات الهيئة الوطنية للانتخابات. وحتى السوشيال ميديا لم تلعب الدور المنتظر منها فى هذه الأجواء، رغم تخصيص بعض المرشحين ميزانيات ما لها، ليس بقدر ارتفاع التكلفة فيها خلال الفترة الأخيرة، فكان المردود ضعيفا.


ومع مفهوم الاتساع الشاسع للدوائر الانتخابية، أصبح معتادا جدا ألا يعرف الناخب مرشحيه، وبالتالى هناك نسبة كبيرة من المقاطعة بسبب عدم المعرفة، والتى لعبت فيها الصحافة والإعلام وأسلوب الدعاية والإعلانات وضيق الوقت دورا كبيرا.


وطالبنى البعض بضرورة أن أذكر في مقالى أسماء في كل دائرة، لإرشادهم للنماذج الطيبة المفروض انتخابها، لكننى لا أتعرض في مقالاتى لهذا النموذج المباشر في التناول، بقدر ما أتحدث عن فكرة واضحة بإسقاط غير بعيد، خاصة أن لدى العديد من الأصدقاء يخوضون تجربة الانتخابات في مختلف المحافظات.


فمثلا هناك انتقادات لمجلس الشيوخ على مشاركة عدد غير قليل من الشباب الحزبي والمستقل في انتخاباته، وهذا أمر غريب جدا، فليس معنى الشيوخ، هو الإنغلاق العمرى في الاختيارات، بل الحديث عن الخبرات والكفاءات، وبالتالى فالعمر ليس محددا، إلا من خلال التعريفات الدستورية والقانونية الموضحة في هذا الإطار، وهناك نماذج شابة جيدة وأخرى غير جيدة.


وبعيدا عن قصة السن، فإن هناك محاولات جيدة جدا في الفردى تحتاج منا الدعم، في مواجهة المال السياسي، ولا نتحدث عن مرشحى الأحزاب لأنهم مدعمون، حتى لو يدفعون مقابل الغطاء الحزبي.


وهناك ممارسات مستفزة، لاتزال باقية من إرثنا، الذي لن يتغير إلا بخطة تبصيرية وعملية تطوير للمشهد السياسي في مشروع قومى ندعو له، حتى لا نعيد تجارب حزبية أساسا تم حلها بأحكام قضائية، ليس منها المال السياسي فقط، بل أيضا عودة الوجوه المتأسلمة والمثيرة في سياقات عديدة، بل ومحاولات الإخوان العودة من وراء أسماء بعينها.


كل هذا لا يمكن مواجهته إلا بالمشاركة، وحتى نكون واقعيين، لن تكون هناك مشاركة كبيرة هذه المرة، حتى بالتهديد بغرامة الخمسمائة جنيه، فالمواطن المصري يفعل ما يريد مهما كانت التهديدات، وليس هذا خطاب الإقناع الذي يطرب المصريين، وأتوقع أن نرى نسب مشاركة لم تسجل من قبل، فحتى المصريين في الخارج لم يشارك منهم سوى بضعة آلاف، رغم تسهيلات التصويت عبر البريد بسبب الكورونا وتسهيلا بسبب المسافات البعيدة في بعض المناطق.


أخيرا، لعودة مجلس الشيوخ أهمية استراتيجية كبيرة، على كل الأبعاد، فعلى عكس المروج له مثلا، هو لا يكلف ماديا بقدر ما يوفر، لأنه يقلل أوقات الصياغات والمناقشات بشكل عام، وتعود مصر به لمواقع خسرناها دوليا وإقليميا بعد اكتفائنا بغرفة برلمانية واحدة فقط، في ظروف غامضة.


أرجوكم، شاركوا حتى لا نندم فيما بعد، فبسبب سلبياتنا ستصل وجوه ما، ويكفي أن الارتباك أوصل بعضهم بالفعل، فليس لدينا سوى قائمة واحدة، أى أنهم ضمنوا الفوز منذ الترشح نفسه.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط