3أبناء و25سنة زواج ولم تبق ذكرى حلوة واحدة ولا همسة حانية يتيمة، لقول كلمة تنقذ الحياة الزوجية من الطلاق!.. أي عشرة تلك التي تتبخر في الهواء كالسراب، ولا يملك طرفا العلاقة سببًا واحدًا لإبقاء أحدهما على الآخر، وكأن ضياع ربع قرن من العمر مجرد رقم تم خسارته في بورصة الحب!.. أسئلة كثيرة ملأت مفكرتي الذهنية، بعدما باغتتني صديقة الطفولة بخبر انفصالها عن شريك عمرها بعد بلوغ أبنائها سن الرشد، وبمنتهى الهدوء قالت:"لقد أتممت دوري تجاه أولادي، وآن الأوان لأتخلص من عيشه لا أطيقها،..فالوحدة خير من شريك السوء".
وسرعان ما تذكرت حديث أجريته في بداية حياتي الصحفية مع خبير علم الاجتماع الراحل الدكتور أحمد المجدوب رحمه الله،..حين سرد لي قصة معاناة صديقه مع زوجته حتى أن الجميع كان يتعجب من قدرته الفائقة على تحمل لسانها الطويل ونكدها المستمر، بينما يؤكد هو على نيته لطلاقها بمجرد حصول ابنهما على شهادته الجامعية.. وبالفعل، يوم نجاحه فأجي الجميع بتهنئة لزوجته مصحوبة بيمين طلاق، فسقطت على الأرض مغشيًا عليها، وظل الرجل على موقفه رافضًا أي محاولة للإصلاح!.
ورغم أن إحصائيات الطلاق الرسمية تكشف عن ندرة نسب الطلاق بعد مضي مدة طويلة على الزواج، إلا أن مجرد حدوثه ينبئ عن وجع مسكوت عنه في كثير من بيوتنا.
فطلاق امرأة خمسينية ورجل ستيني ليس بالأمر الهين على كليهما،..وعشر سنوات في عمر زوج وزوجة بمثابة ثروة زمنية ضخمة يصعب استعادتها أو حتى تعويض لحظات من ثمرة شبابها، فما بالنا بعشرين عام فأكثر!.. قطعًا هناك دوافع قهرية وألام لا تحكى..لا توصف.. أو تقال أجبرت أحدهما لاتخاذ قرار الفراق.
فصديقتي هذه والرجل الذي تذكرت حكايته نموذج لآلاف النساء والرجال اللذين يعيشون حياتهم وسط أحزمة الزلازل الزوجية.. وبدلًا من تعلم الطريقة المثلى لكيفية بناية بيوت مرنة، تصمد أمام ارتجاجات المشاحنات اليومية، وتتأقلم مع أي طارئ وجداني حتى لا تنهار البيوت على أهون هزة خلافية.. قضوا حياتهم في شروخ وتصدعات، وكل منهما في جزيرة منعزلة عن الأخر.. رافعين شعار "التضحية" والنتيجة،.. منازل ألت للسقوط بمجرد أن كبر الصغار، وانتفت حجة الاستمرارية، ناسين أو متناسين أن حاجتنا لقلب يشاركنا الحب لا تنضب أو تشيخ حتى لو زحفت الخطوط الطولية والعرضية إلى ملامح الوجه، وكست الخصلات الرمادية شعر الرأس.
وحدهم اللذين خرجوا من "تجربة زوجية دامية" معافين أو معقدين، يستطيعون أن يروا لنا أهوال أيام وليالي طوال قضوها مع طرف ينظر لارتباطهما كوثيقة ضمان أبدية لا تستحق أدنى محاولة للحفاظ على بهائها.. وما أن وجد كلاهما نفسه وجهًا لوجه أمام الأخر بعد وصول الأبناء لبر أمان حتى انهارت العلاقة، وبدأ يعيد أجندة حساباته المكتظة بالخيبات العاطفية الطاعنة.. فكان الطلاق!
فيا كل رجل وامرأة يتغافل عن حاجاته العشقية، معتقدًا أن إتقانه لدور الضحية سيمنحه جائزة البطولة أمام أبنائه في روايته الروتينة..عفوا ،..أنتم لا تهدرون سنواتكم في علاقة بائسة فحسب بل تهدرون كل قيمة ومعنى للسعادة الحقيقية، وتقدمون لأولادكم صورة مشوهة لتفاصيل وهوامش الحياة الزوجية.
فالزواج شريعة المولى عز وجل، ليكون سكن ومودة ورحمة، والطلاق أبغض الحلال، لكنه ضرورة لو استحالت العشرة.. فإياكم أن تؤجلوه حتى مرحلة عمرية متأخرة، فيصبح حدوثه بمثابة اعتراف ضمني بضياع العمر.
ولا أقصد بكلامي هذا إدانة احد،.. فمن حقي أنا وأنت ونحن اختيار الأفضل، والبحث عن الفرحة حتى لو كان المتبقي لنا يوم واحد في الدنيا.. فقط،... أردت أن أنذر كل زوج وزوجة يرى الطرف الأخر كأحد أملاكه غير قابل للضياع عله يفيق من غفوته قبل فوات الأوان!.