الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في "عيد النيروز".. تعرف على قصة مناسبة قبطية احتفل بها رؤساء مصر وتقويم رسمي للدولة حتى 1875

الكنيسة القبطية الأرثوذكسية
الكنيسة القبطية الأرثوذكسية

احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اليوم الجمعة ببدء العام القبطي ألف وسبعمئة وسبعة وثلاثين والتي تبدأ بعيد الشهداء المعروف باسم عيد النيروز، حيث أقيمت القداسات بكافة الكنائس بالإيبارشيات والقطاعات الرعوية بالقاهرة والإسكندرية.

وصلى الآباء المطارنة والأساقفة عشية رأس السنة القبطية الجديدة مساء أمس والقداس صباح اليوم، حيث أقيمت الصلوات باللحن الفرايحي وفقًا لطقس الكنيسة التي تقام صلواتها بنعمة الفرح من بدء السنة القبطية وحتى موعد عيد الصليب الذي يحتفل به يوم ١٧ توت ويستمر لمدة ثلاثة أيام، يأتي هذا بالتزامن مع السماح لأول مرة بإقامة قداسات يوم الجمعة، بعد توقف دام ٢٤ أسبوعًا، بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد.

أقرأ أيضا ..

ويقول ماجد كامل الباحث في التراث القبطي إن  الكنيسة القبطية تحتفل في الحادي عشر من سيتمبر في كل عام بعيد النيروز؛ وعيد النيروز هو بداية التقويم القبطي أو ما يقابل رأس السنة؛ والأصول الأولي لهذا التقويم يرجع إلي العصر الفرعوني وبالتحديد إلي الإله (تحوت Thot ) وهو إله الحكمة ؛ ورب القلم؛ ومخترع الكتابة ؛ومقسم الزمن؛ وكان رمزه الطائر إيبيس IBIS المعروف عند المصريين بأسم أبو منجل.

ولذلك كانوا يحنطونه بعد موته تكريما للمعاني التي يمثلها عندهم وكرمز لهذه المعاني؛ أما عن الأصل اللغوي لكلمة نيروز ؛فهناك رأيان؛ الرأي الأول يرجعه إلي أصل فارسي ومعناه "اليوم الجديد " باللغة الفارسية . أما الرأي الآخر فيرجعه إلي أصل قبطي ؛فكلمة "نياروو" معناها أنهار باللغة القبطية؛ ولما كان هذا هو موسم الاحتفال باكتمال فيضان نهر النيل لذا نظم المصري القديم هذه الاحتفال كرمز للوفاء للنيل.

وتابع قائلا، وعندما دخل اليونان مصر أضافوا اليها حرف السين علامة أسم الفاعل في اللغة اليونانية فأصبحت "نياروو –س" وحرفت مع الزمن إلي النيروز ؛ وعودة إلي الأصل التاريخي لهذا العيد ؛حيث يذكر علماء المصريات أن المصري القديم هو الذي قام بوضع هذا التقويم ؛وكان ذلك حوالي عام 4241 ق.م عندما لاحظوا ظاهرة الشروق الاحتراقي لنجم الشعري اليمانية ؛والمعروف في اللغة اليونانية بأسم "سيروس SIRIUS" قبل شروق الشمس مرة كل عام ؛ وكان المصريون يسمونه "سبدت" وهو ألمع نجم في السماء؛ ويبعد حوالي 8 ونصف سنة ضوئية عن الأرض ؛وقد قسموا السنة إلي ثلاثة فصول كبيرة هي: فصل الفيضان ( آخت)، وفصل البذر والزرع (برت)، وفصل الحصاد (شمو). 

ويضيف ماجد كامل إنهم قسموا السنة إلي 12 شهرا؛ كل شهر ثلاثون يوما ؛ وأضافوا المدة الباقية وهي خمسة أيام وربع ؛وجعلوها شهر بذاته ؛أسموه بالشهر الصغير أو (النسيء) وبذلك أصبحت السنة القبطية 365 يوما في السنوات البسيطة ؛366 يوما في السنوات الكبيسة . وعندما جاءت المسيحية إلي مصر حوالي عام 61م تقريبا ؛ ومع ظهور عصر الشهداء ؛أراد الأقباط أن يخلدوا ذكري دماء هؤلاء الشهداء ؛فاتخذوا من تاريخ إعتلاء دقلديانويوس عرش الأمبراطورية الرومانية وهو 284م ؛ بداية التقويم لعصر الشهداء ؛فإذا حذفنا 284 من 2010 تصبح 1728 للشهداء ؛ ولقد أستمرت الحكومة المصرية تتبع هذا التقويم كالتقويم الرسمي للدولة حتي ألغاه الخديوي إسماعيل عام 1875 م وكان يقابلها عام 1539 للشهداء ؛وأستبدله بالتقويم الميلادي الذي مازال متبعا حتي الآن كالتقويم الرسمي للدولة . غير أن الفلاح المصري مازال يتبع التقويم القبطي حتي الان في الزراعة.

ويشير الباحث القبطي ماجد كامل إلى  أن العلامة المقريزي كتب عن احتفلات هذا العيد في شيء من التفصيل في موسوعته فقال عنه (هو أول السنة القبطية بمصر ؛وهو أول يوم من "توت " وسُنتهم فيه إشعال النيران ؛والتراش بالماء ؛وكان من مواسم لهو المصريين قديما وحديثا، وكانت تتعطل فيه الأسواق وتفرق فيه الكسوة لرجال أهل الدولة وأولادهم ونسائهم وحوائج النيروز من فاكهة الموسم البطيخ والرمان والموز والبلح، وكثيرا كان الخليفة يتدخل فيصدر أمره بمنع إيقاد النيران ليلة النيروز ومن صب الماء في نهاره عندما يزيد الأمر عن حده فيأخذ من يخالف ليحبسوه وآخرين فيطاف بهم علي الجمال لجرسهم "أي فضحهم ".

ويوضح "كامل" أنه من أشهر الحوادث المرتبطة بالنيروز في التاريخ الكنسي ما جاء في سيرة البابا يؤانس السادس عشر البطريرك (103) من سلسلة بطاركة الكنيسة القبطية والشهير بالطوخي (1676-1718 م) أن فيضان النيل جاء منخفضا ؛فتوجه الأب البطريرك إلي كنيسة السيدة العذراء بالمعادي حاليا وهي أحدي المحطات الهامة في رحلة العائلة المقدسة إلي أرض مصر ؛فمنها توجهت العائلة المقدسة إلي الصعيد  ومعه مجموعة من الأباء الكهنة في يوم عيد النيروز؛ وصلي القداس هناك ؛ثم صلي علي ماجور به قليل من الماء وسكبه في نهر النيل ؛ وكرر هذا الأمر عدة أيام متواصلة ؛ فتحنن الله برحمته علي شعبه ؛وفاض النيل في اليوم الثاني عشر من شهر توت .

ويقول إنه من أشهر الجمعيات التي تحتفل بعيد النيروز جمعية التوفيق القبطية والتي تأست عام 1891 ؛ ولقد سنت هذه الجمعية سنة جميلة لم تحيد عنها وهي أن يكون خطيب الحفل الرئيسي من الأخوة المسلمين؛ ففي احتفلات عيد النيروز 1920 كان خطيب الحفل الرئيسي هو الزعيم الوطني الخالد سعد زغلول ؛وخطب بعده الشيخ مصطفي القاياتي والدكتور محجوب ثابت والأستاذ رياض الجمل ؛وفي احتفلات عيد انيروز عام 1923 تحدث سعد زغلول بعد عودته من المنفي عن دور الأقباط في الثورة وكفاحهم ضد المستعمر ؛وعن أهمية الوحدة الوطننية بين المسلمين والأقباط ؛وكان من بين ما قاله ( أن النهضة الأخيرة أوجدت هذا الاتحاد المقدس بين الصليب والهلال ...... ليس هناك إلا مصريين فقط .... ولولا وطنية الأقباط وإخلاصهم الشديد لقبلوا دعوة الأجنبي لحمايتهم وكانوا يفوزون بالجاه والمناصب بدل النفي والسجن والاعتقال؛ لكنهم فضلوا أن يكونوا مصريين يسامون الحسف ويذوقون الموت والظلم علي أن يكونوا محميين بأعدائهم وأعدائكم – هذه المزية يجب علينا أن نحفظها وأن نبقيها دائما في صدورونا) .

وفي احتفالات عيد النيروز عام 1924 حضر الاحتفال النحاس باشا رئيس الوزراء ؛ وفي احتفالات عام 1952 بعد اندلاع ثورة يوليو المجيدة بشهرين حضر الاحتفال محمد نجيب ؛وعلي ماهر باشا رئيس الوزراء في ذلك الوقت ؛وتسجل وثائق الجمعية أسماء نجيب الهلالي ؛ صبري أبو علم ؛ عبد السلام فهمي جمعة ؛ عبد المنعم الصاوي ؛ الدكتور رفعت المحجوب ؛ د .نعمات أحمد فؤاد وغيرهم من ضمن الشخصيات الخالدة التي كانت تخطب في احتفالات عيد النيروز .

ويشير الباحث ماجد كامل إلى أنه في هذا اليوم "عيد النيروز" يقبل الأقباط علي أكل البلح الأحمر والجوافة والعنب اأحمر ؛ وذلك لما كانت لهذه الفواكه من رموز ومعاني تشرح معني النيروز؛ فالبلح لونه أحمر رمز لدم الشهيد ؛وقلبه ابيض رمز لطهارته؛أما قلب البلحة فهو صلب رمز وإشارة لقوة وثبات إيمان الشهيد . أما الجوافة فأن لونها أبيض رمز الطهارة وبذورها صلبة رمز الثبات علي الإيمان . وفي نفس هذا المعني يمكن أن نضيف العنب الأحمر؛ فالأحمر رمز الدم ؛ والبذور الصلبة رمز ثبات الإيمان.