الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

علي جمعة: الرحمة لا تنزع إلا من شقي.. ورقة القلب علامة الإيمان

الدكتور علي جمعة
الدكتور علي جمعة

قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية، إن الأمة الإسلامية هي أمة الرحمة؛ ولأنها أمة الرحمة دأب المحدثون في تبليغ حديث سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطلبة العلم، على أن يستفتحوا بحديث الرحمة المسلسل بالأولية، هذا الحديث الذي انقطعت أوليته عند سفيان بن عيينه الذي يرويه عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي قَابُوسَ مَوْلًى لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-: «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» [أحمد وأبوداود].

وأضاف «جمعة» عبر صفحته بـ«فيسبوك»، أنه ورد عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة تحث المسلمين على التخلق بالرحمة فيما بينهم ومع جميع الخلق، وقد حذر سيدنا رسول الله  -صلى الله عليه وسلم- أمته بأن ترك هذه الصفة الحميدة قد تستوجب غضب الله يوم القيام حيث قال  -صلى الله عليه وسلم-: «لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ» [الديلمي وابن أبي شيبة]، وسبب ورود هذا الحديث أن النبي  -صلى الله عليه وسلم- قَبل الحسين، وقال الأقرع لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدا، فنظر إليه النبي  -صلى الله عليه وسلم- وذكر له الحديث.

واستدل علي جمعة بما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ  -صلى الله عليه وسلم- الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ أَبَا الْقَاسِمِ صَاحِبَ هَذِهِ الْحُجْرَةِ: «لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إلَّا مِنْ شَقِيٍّ» [أحمد وابن أبي شيبة]، وعن علي -رضي الله عنه- أن النبي  -صلى الله عليه وسلم- قال: «اطلبوا المعروف من رحماء أمتي تعيشوا في أكنافهم، ولا تطلبوه من القاسية قلوبهم فإن اللعنة تنزل عليهم، يا علي، إن الله خلق المعروف وخلق له أهلا، فحببه إليهم وحبب إليهم فعاله، ووجه إليهم طلابه، كما وجه الماء إلى الأرض الجدبة ليحيي به أهلها، وإن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة» [الحاكم في المستدرك والديلمي].


وتابع: إن الرحمة لا تنزع إلا من شقي؛ لأن الرحمة في الخلق رقة القلب، ورقته علامة الإيمان، ومن لا رقة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا يرزق الرحمة فشقي، فعلم أن غلظة القلب من علامة الشقاوة.

وواصل: «والمسلم رحيم مع كون الله كله، يتعامل مع برقة وبلين وبانسجام، لأنه يراه قائم بنفس الوظيفة التي أمره الله بها وهي العبادة فيشعر أنه يشترك مع الكون في إخوة العبودية لله وحده، فنهى النبي -صلى الله عليه وسلم-عن سب الريح، فقال: «لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا: اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به» [الترمذي].

وأكمل: «إن المسلم يخاطب مخلوقات الله بهذا المشترك وهو يتأسى في ذلك بنبيه -صلى الله عليه وسلم-، إذ يخاطب الهلال فيقول: «اللهم أهله علينا باليمن والسلامة والإسلام ربي وربك الله» [الترمذي].

وأردف: أن المسلمين طبقوا الرحمة في حضارتهم بصورة عملية في كثير من مؤسسات الخير، ليس فقط في المستشفيات ودور الإيواء للإنسان، بل امتدت رحمتهم إلى الحيوان كما أمرهم بذلك شرعهم الحنيف، حيث أنشأوا مساقي الكلاب؛ رأفة بهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم-: «فِى كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»، ولما علموا أنه قد دخلت امرأة النار في هرة حبستها، ودخلت أخرى الجنة في كلب سقته.

واستطرد: وفي العصر المملوكي، وبالتحديد في تكية محمد بك أبو الذهب بنيت صوامع للغلال لتأكل منها الطير، وهكذا كان المسلمون يحولون إرشادات رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى واقع عملي يعيشون فيه، فحازوا الشرف والعز وخير الدنيا والآخرة، رزقنا الله الأخلاق الفاضلة، وجعلنا من الرحماء.