الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

لحظة ضعف


شردت نظرات ريم وهي واجمة تحمل طفليها، وقفت ترى وجهها فوق صفحة النهر، وكأنه وجه امرأة أخرى لا تعرفها، وجه شاحب ملامحه قاسية، ولم يخرجها من شرودها سوى ابنها عندما بكى شاكيا لها جوعه، فاهتز قلبها للحظات ولكنها تداركت إحساسها وكتمت مشاعر الشفقة التي لمست كيانها واستدركت نفسها بسرعة، فقد جاءت لمهمة محددة يجب ألا تحيد عنها ولا تنساها، فلم تعد تحتمل كلمات المواساة التي تسمعها يوميا ممن حولها ولا حتى نظرات الشفقة والحنية من ذويها، أما الغرباء عنها فقد وصموها بأبشع الصفات وسبوها في شرفها وقرروا حرمانها من أولادها.


وقفت ريم وقد سرى في جسدها رعشة وحركتها تخف رويدا رويدا وكأن جسدها يتجمد، وقفت تتذكر ذكريات وصورا ولحظات كانت تلعب وأولادها تضمهم لقلبها وتقبلهم فترتبط قلوبهم سويا بحبل سري لا ينقطع.


وفجأة تذكرت الكابوس الذي تعيش فيه وقررت في لحظة ضعف أن ترحم أولادها من العذاب والدمار والشقاء والفضيحة، قررت أن تحرم أباهم منهم كما قرر هو وصمها وحرمانها وشقاءها، لحظة ضعف آلمتها مثلما عذبتها الذكريات مع أولادها.


حاولت أن تقنع نفسها بتهكم بهذه المهمة الإنسانية الرائعة التي سترحم بها أطفالها من العذابات المختلفة، سترحمهم من بني البشر الذين ينهشون في سيرتهم، ستضمن لهم حياة رائعة في جنة الخلد.


لحظة مجنونة مشئومة قررت فيها التخلص من أولادها فلذات أكبادها لترحمهم من البقاء بمفردهم مع زوجة أب أو أقارب لأبيهم يعايروهم بأمهم وأخلاقها.


لمعت عينا ريم وكأن الشيطان لبسها وقررت أن ترمي أول أبنائها في النهر، وكان السؤال بمن تبدأ؟ فقررت أن تبدأ بأقربهم إلى قلبها، بصغيرتها التي كان قلبها يفيض حنانا وهي تحتضنها، رمتها وكأنها رمت معها كل الحياة كل الأمل كل الحب، لحظة تجردت فيها مشاعرها من الإنسانية وسيطر عليها إبليس في أبشع صوره.


رمتها وبقي أخوها وفي عينيه نظرات رعب أن تفعل به مثلما فعلت بأخته، وقف يستعطفها ويمسك بجلبابها ويتمسح بها طالبا منها ألا تفرط فيه، بكي بعينيه طالبا منها الرحمة التي نزعت من وجدانها ولكنها كانت قد تحولت لوحش كاسر فرفعته ورمته بلا رحمة أو هوادة.


قتلت أبناءها وانتقمت من نفسها ومن المجتمع ومن الناس، والأهم أنها كما ترى رحمتهم فهم بالتأكيد سيذهبون إلى مكان أفضل مكان بلا قسوة وبلا عنف وبلا كراهية وبلا خيانة، مكان يليق بطهرهم ونقائهم وبراءتهم التي لم تغتل بعد قتلتهم، وقتلت نفسها بلا رجعة في زمن الموت فيه راحة بلا جدال.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط