الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د.هبة شفيق تكتب: تدوينات الألم (5).. الصبر بداية الشفاء

صدى البلد

لا تحسب عزيزي القارئ أن المرض شر، المرض ليس اختياراً، المرض اختباراً من الخالق لتدرك مدى ضعفك وأنه سبحانه السند الوحيد، هو من تلجأ إليه في شدتك وتفوض إليه أمرك، هو الوحيد الذي يفهم ما تعانيه، ربما تفقد في فترة الاختبار تلك شيئاً من نفسك، ربما بعض العلاقات، ربما بعض الأوقات السعيدة. 


لكن اعلم أن التعويض سيكون أضعاف أضعاف ما فقدت، ربما يبدلك ربك بحالة صحية أفضل من ذي قبل فهو من يقول كن فيكون، ربما ستكسب علاقات أخرى صحية وأفضل لحياتك ومستقبلك، ربما سيهديك الله من عنده أناساً يعوضونك عن أوقات الألم لتعش معهم ذكريات جديدة مليئة بالسعادة والفرح. وإن لم يكن لك نصيب من العوض في الحياة الدنيا فتذكر أن الآخرة خير وأبقى.


في فترة أصابني نصب وجزع شديد، أتعلم عزيزي القارئ لأتغلب على هذا الإحساس فقط أتذكر حديث الرسول الكريم صلى الله عليه وآله  وصحبه وسلم حين قال: ما يُصيبُ المُسلِمَ، مِن نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا هَمٍّ ولا حُزْنٍ ولا أذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوْكَةِ يُشاكُها، إلا كَفَّرَ اللهُ بِها مِن خَطاياهُ. وفي رواية: إلا رفعه الله بها درجة أو حط عنه بها خطيئة.


أعلم عزيزي القارئ أن تكرار الذهاب للمستشفى يصيبك باليأس، ستكرر الأفكار السلبية محاولتها الحثيثة في السيطرة على عقلك والتمكن منك، ربما قد مررت بفترة من الاكتئاب، قد يكون السبب ابتعادك عن ملاحظة الأشياء القيمة التي تمتلك، والمواقف الإنسانية النابعة من حب الناس من حولك، ربما لم تقدر ما يفعله أحبابك من أجل أن يشعروك بالسعادة ويؤكدون مساندتهم لك، ربما لم ترى الحكمة من كونك في هذا الوضع الذي يشعرك بالضيق والضعف.


لكن تذكر قول الله تعالى في سورة يوسف الآية (87): "وَلَاتَيْأَسُوامِنرَّوْحِاللَّهِإِنَّهُلَايَيْأَسُمِنرَّوْحِاللَّهِإِلَّاالْقَوْمُالْكَافِرُونَ".


يومياتي في المستشفى جعلتني أقابل أصنافا كثيرة من الناس المختلفة في الشكل والأسلوب والمنطقة الجغرافية، وطريقة التعامل، وفي الصفات. وبالرغم من كل تلك الاختلافات، إلا أنهم اجتمعوا على الطيبة، طيبة وجمال روح المصريين. منذ بضع سنوات كانت فكرة الانتظار بالمستشفى أمام العيادة تضعني في خوف دائم من الكلام مع الناس، لأني أحياناً كنت أتعرض لأسئلة سخيفة على سبيل المثال

- هو انتي اللي داخلة ولا فيه حد انتي جاية معاه؟!

....وهنا لما رديت لا، دا دوري لقيت نظرات استعجاب غريبة.


طول فترة مرضي الأخيرة وأصارحكم القول، قابلت ناس جميلة قلبًا وقالبًا. لا يعلمون من أنت ولا يريدون منك أي شيء "كل اللي كنت بسمعه دعا وكلمة حلوة ترد الروح".


موقف (1): ست جميلة قابلتها، نحيلة ذات طلة مشرقة، وجهها ويديها محفور فيهم تجاعيد لذكريات قديمة تركت آثارها، لكن قلبها أبيض مثل لون بشرتها، قامت لي كي أجلس مكانها ورفضت أن أظل واقفة بالرغم من كبر سنها وأن دورها متأخر بعدي.


موقف (2): أستاذ متفرغ بجامعة عين شمس، كانت عميدًا لإحدى الكليات، تأتي بكرسيها المتحرك، بابتسامة تعلو شفاهها، تقابل طلابًا لها اصبحوا اساتذة، يتقابلون في عيادة العلاج الطبيعى والتأهيل، كلماتها عذبة وسمتها التواضع، لا تكف عن نصحهم وبث الأمل في نفوسهم.


موقف (3):رجل ريفي مسن بسيط، يأتي من احدى محافظات الدلتا، يرتدي الجلابية، ممسكا بعصاه الخشبية ينتظر دوره، وبوجهه بشاشة غير عادية، بيسألني:

-"يا بنتي هو الدكتور جه؟"

.."اه يا حاج.. لسه واصل"

-"طب اسأليلي أنا رقم كام"


بعد دقائق من الانتظار أمام عيادة العظام،أخذنا الحديث وراح يسرد معاناته من آلآم المفاصل معبراً عن قلقه لأنه "راح لدكاترة كتير".. لكن بعد ما جاء دوره وخلص، بدت عليه سعادة ورضا غير عادي ثم سلم وذهب في طريقه.


العديد من المواقف جعلتني أدرك أن الصبر والرضا سلاحان يحارب بهما المتألم لينعم بالعيش في الحياة موقناً في كل لحظة أنه مع العسر يُسرين، "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا".