الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

المشروع اليابانى المهجور!


أتحدى أن يعثر أى أحد علي أسرة واحدة فى بر مصر غير مشغولة أو مهمومة بـ "بند" المصروفات المدرسية .. فكل أب وأم يبحثان عن وسيلة لتسديد آلاف الجنيهات لتأمين  مستقبل أبنائهما، و"حلم" حصولهم على خدمة تعليمية متميزة .. وماذا تفعل الأسرة والرواتب الشهرية ثابتة وأعباء الترم الواحد تتضاعف وتليفونات الإدارة المدرسية لاتتوقف عن الاتصال وتذكير أولياء الأمور بموعد الأقساط المزعجة؟!.

وتتصاعد حيرة الأسرة مع تردد المعلومات اليومية عن قرب الإغلاق الشامل وترقب الشارع المصرى للحظة إعلان توقف الدراسة والتزام المنازل مجددا، وعودة شبح "كورونا" إلى نشاطه ليهدد أطفالنا ويهدر حقوقهم فى التعليم والاستقرار فى ألعابهم الرياضية .. وتفكر الأسرة جديا فى التلكؤ بدفع المصروفات المطلوبة لحين حسم المسألة وتحديد الوضع الجديد .. ولكن المدارس لاتملك الصبر، ومن فوقها الوزارة تحرك عقارب الساعة للإسراع فى السداد وتنذر بتحويل الطالب المتعثر  إلى مدرسة حكومية ما لم تلتزم أسرته بالتعليمات وتنقذه من التشرد والطرد الجارح!.

كل أسرة تختنق وتصرخ من ألم المأزق، وإذا ما تصور أحد أننا نطالب بإعفاء الأهالى من دفع المصروفات وتوفير التعليم مجانا - أسوة بالماضى الجميل - فهذا ليس مقصدنا لأنه هدف منافٍ للعدل والإنصاف .. فمن حق المدرسة أن تجمع مصاريفها وتحقق مكاسبها وتفى بحقوق مدرسيها وموظفيها لحماية أسرهم أيضا .. وهذه المدارس مسئولة بدورها من الدولة طالما أصبحت جزءا من المنظومة التعليمية، وبقدر من التنسيق والتفاهم مع الحكومة يمكن التوصل إلى صيغة مقبولة ومرضية لعبور الأزمة، بأن تتحمل الوزارة جانبا من رواتب العاملين فى المدارس وتقديم الإعانات اللازمة فى مثل هذه الظروف الطارئة للتخفيف من متاعب العائلات المادية أولا، ثم مساندة المدارس الخاصة فى النهوض بمسئولياتها وتنفيذ مهامها وواجباتها تجاه الطلبة تحت وطأة الأجواء الصعبة!.

وباختفاء قيمة التعليم ورفع هذه السلعة من أسواق حياتنا، لايتردد أى والدين فى اللجوء إلى مدارس بديلة وبأقل التكاليف والأسعار للتخلص من كابوس "الأقساط"، والاعتماد على مستوى ذكاء الابن أو الابنة وحظوظهما فى الفوز بمعلمين أكفاء وشرفاء .. ولا أعلم لماذا قفزت إلى ذاكرتى فكرة المدارس اليابانية ذات الـ ٤ آلاف جنيه سنويا والقائمة على استلهام تجربة "أسود آسيا" فى التعليم وبناء الإنسان .. فالمشروع بالفعل دخل حيز التنفيذ فى مصر منذ ٤ أعوام، واقتحم نحو ٤٣ مدرسة تحت إشراف نخبة من الخبراء اليابانيين .. وفجأة .. غابت تفاصيل المشروع وتطورات ترجمته إلى واقع وكيان ملموس دون رؤية واضحة أو أسباب معلومة .. خصوصا وأن هذا الحلم البراق قد طالبنا فى سياق آخر بتعميمه وتطبيق فلسفته على المدارس الصناعية والتجارية المتخصصة فى فرع التعليم الفنى لإفراز كوادر وأجيال داخل المهن الحرفية وبما يفيد المجتمع ويفتح أبوابا أوسع للرزق والعمل .. وقد غازلت التجربة تطلعات ملايين الأسر لبعدها الاقتصادى والثقة الكبرى فى النموذج اليابانى وما أحرزه من تقدم وازدهار وتفوق فى العملية التعليمية والكفاءة الفنية فى مختلف المجالات .. ولظهور المدرسة اليابانية تأثيره على انتظام الحال فى الكيانات الخاصة واعتدال ميزان العلاقة بين المدرسة الخاصة وأولياء الأمور، وقد تفكر الأسرة فى إلحاق طفلها بالتجربة المستوردة انتقاما من سياسة المدرسة القديمة وسعيها اللاهث وراء أقساط المصروفات.. ووقتئذ ستخسر المدارس الخاصة الآلاف فى طوابير التقديم وقوائم الانتظار!.


- ألم يطرح أحد هذا الاحتمال؟! .. أليس من الوارد أن تبحث الأسرة عن طوق نجاتها من براثن التعليم الخاص فى المشروع اليابانى المهجور الذى يكاد أن يتبخر فى ظروف غامضة؟! .. وقبل أن يجتمع المسئولون الرسميون مع أصحاب المدارس الخاصة لدراسة هذا الهاجس، لدينا رغبة فى معرفة مصير النموذج اليابانى وحجم الإغراء الذى يوفره لأى طالب أو طالبة .. ولأى أسرة فقيرة أو متوسطة .. لنجنى جميعا أجيالا مصنوعة من مادة النبوغ والموهبة والسلوك المثالى، ولاتقهرها أى أزمة سياسية أو كارثة عالمية .. أين المشروع الحلم من اجتماعاتكم ومؤتمراتكم الصحفية وجلساتكم المغلقة، ودائرة حساباتكم .. يا سادة التعليم الكبار؟!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط