الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا "أوْجَلَانْ"؟


مثيرة هي قصة سيدنا إبراهيم مع قومه والأصنام التي كانوا يتعبدونها وكذلك حواره الجريء مع النمرود التي جعل من نفسه إلها يحيي ويميت كما كان يدَّعي. آلاف السنين مرت ولا زالت القصة حيةً نستذكرها باستمرار لكثرة الطغاة الذين يُألهون أنفسهم من دون الله عز وجل. والأكثر من الطغاة هؤلاء العبيد الذين يصنعون الآلهة بأيديهم ويتعبدونهم وكأنهم بالفعل يمثلون ظل الله على الأرض. جدلية مثيرة للانتباه ويلزمها الكثير من الدراسات والبحوث حتى نخرج من هذه الدوامة. ما الذي يجعل الانسان يبحث عن إله بشري كي يتعبده ويسجد له، ونحن في القرن الحادي والعشرين؟.


بمقدورنا تفهم الوعي وحالة الإدراك التي كان الانسان القديم والبدائي يفتقرها وأن حالة الغموض والجهل التي كان يعيشها حثته للبحث في المجهول والـ "ما وراء الطبيعة"، عن أي شيء يريح ذهنه ونفسيته ليخرجه من القلق والخوف الذي كان يلازمه طيلة الوقت. ولكن هذه الحالة لا يمكن استيعابها الآن خاصة أننا نعيش الثورة المعلوماتية الرابعة والتي جعلت من العالم بالفعل قرية صغيرة. 


حالة الانسان الشرقي الذي لم يتخلص إلى الآن من الجهل الثقافي والمعلوماتية التي باتت تلازمه وإن كان يحمل شهادات جامعية عليا، لتبقى الثقافة هي المحدد الرئيس في تحديد مستوى الانسان وليس الشهادة التي يتفاخر بها. 


أردوغان الذي يمثل ظل الله وخليفته على وجه الأرض للذين يسيرون خلفه وينفذون ما يؤمرون به طلبًا لإرضائه، حتى صدق الطرفان "أردوغان أنه بالفعل ظِل الله على الأرض وأنه خليفته نتيجة داء التكبر الذي يعيشه، أما الطرف الآخر من القطيع الذي يدعي الدين ويسبح بحمد أردوغان بكرة وعشيا، يؤمن بأن أردوغان ما هو إلا خليفة الله على الأرض وأنه لا ينطق عن الهوى". طرفان يكمل بعضهما البعض لتكتمل لوحة النفاق والقتل والاغتصاب والسرقة والفساد والتهجير. لكنهم لا يعلمون أن أردوغان ليس إلا بشرا متكبرا وطاغيا ينبغي وضع حدٍ له بأي وسيلة كانت.


منذ تشكل الجمهورية التركية 1923 وحتى الآن ورغم تعاقب الحكومات المختلفة إلا أنهم جميعًا لا يختلفون عن بعضهم البعض في القتل والتدمير لشعوب المنطقة. كافة الشعوب التي كانت تعيش مع بعضها آلاف السنين من كرد وعرب وأرمن وآشور وكلدان وتركمان تعرضوا للقتل والتهجير والمجازر على يد الحكومات التركية المتعاقبة طيلة تشكل الجمهورية. وبالأساس أن الجمهورية لم تتأسس إلا على دماء تلك الشعوب. وبقي الكرد يقاومون حتى الآن رغم المجازر التي تعرضوا لها، يقاومون أعتى طغاة ومستبدي الأرض المدعوم من الناتو وقوى الهيمنة العالمية والإقليمية حتى وقت ليس ببعيد. 


أوجلان، الأسير في المعتقلات التركية منذ أكثر من عشرين عامًا، ما زال يزلزل مضاجع عرش أردوغان رغم كل حالات التضييق على أوجلان وأتباعه إن كانوا في العمل السياسي والذين تم اعتقال الآلاف منهم، أو في الجبال الذين يقاومون كافة محاولات ميليشيا أردوغان للقضاء عليهم. رغم كل هذه المحاولات لا يزال أوجلان يعتبر الكابوس الذي أفشل كافة مخططات أردوغان ومن يقف وراءه في نشر اقتتال الشعوب مع بعضها البعض لتتحول المنطقة لجحيم وفق ما يتوهمون. أوجلان من خلال فلسفته في الأمة الديمقراطية وتحليله لفلسفة التاريخ والمجتمعات وكذلك ظهور وانتشار الدين والدولة والسلطة والمال وعلاقتهم ببعض، أسقط القناع عن الملوك الآلهة ليحولهم إلى ملوك عراة، انكشفت حقيقتهم السلطوية ونفاقهم الديني وخداعهم القوموي. ليتحولوا بعد ذلك إلى نكت مضحكة بين عامة الشعب.


على خُطى سيدنا إبراهيم، يسير أوجلان محطمًا الأصنام التي يتعبدها القطيع والعبيد من المرتزقة والإرهابيين الذين يسجدون له ويسبحون بجرائمه وسرقاته ونفاقه. هذه الأصنام التي كانت قد جعلت من نفسها آلهة وأنصاف آلهة من ذوات الفكر القبلي والعشائري والدينوي والقوموي، الذين يسرقون خيرات شعوبهم تحت مسمى الوطنية والسيادة الوطنية والدولة القوموية.


لذلك نرى المرتزقة والإرهابيين بمختلف مسمياتهم ومنابعهم الأخوانية تركوا محاربة الأنظمة الاستبدادية ليوجهوا بنادقهم للكرد إن كانوا في شمالي سوريا أو العراق أو في شمالي كردستان في جنوب شرقي الأناضول في تركيا. ومعظم هؤلاء المرتزقة يتساءلون فيما بينهم من حطم آلهتنا التي كنا لها عابدين؟. الجواب عند أردوغان الذي يوجههم كيفما شاء ليقول لهم: إنه "أوجلان وأتباعه". لهذا نرى معظم من يدعي الثورية من اليسار حتى اليمين صامتين كصمت القبور وهم يرون بأم عينهم أو حتى يدعمون أردوغان في حربه مع كرد أوجلان. ولسان حالهم يقول: (أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآَلِهَتِنَا يَا "أوْجَلَانْ").


فلا الأمريكان ولا الأوروبيين الذين يدَّعون الديمقراطية وحقوق الانسان ولا روسيا التي تدَّعي اليسارية والاشتراكية، ولا المسلمين من عرب وغيرهم المدّعين "وإن طائفتان..... فقاتلوا التي تبغي"، ولا حتى البعض من الذين يتكلمون الكردية القبلية والعشائرية، الكل إما أنهم صامتون وكأنهم يعيشون في الكهوف أو أنهم يدعمون مرتزقة أردوغان في حربهم ضد الكرد المقاومين الذين حطموا أسطورة الخليفة أردوغان.


لله درك يا أوجلان، فقد خرجت عن سياق العامة الذين في غيّهم يعمهون ولسان حالهم يقول: (قَالُواْ بَلْ وَجَدْنَآ آبَاءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ)، (الشعراء - 74). فقد حطمّت ليس فقط الأصنام التي يتعبدونها، بل حطمت منظومة الأفكار التي كانوا يؤمنون بها وجعلتهم يعيشون حالة التيه والاغتراب المجتمعي والنفسي.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط