أصابت حمى التنقيب عن الآثار عددًا كبيرًا من المواطنين، طمعًا في الثراءالسريع، وزاد الطين بلة ظهور فئة من الدجالين والمشعوذين الذين يسيلونلعاب الواهمين بأن بيوتهم ومناطقهم تضم كنوزًا كبيرة من آثار الفراعنة.وكان السحر والدجل والشعوذة أحد هذه الأساليب،حيث ادعى بعض الدجالين قدرته على «تسخير الجان» وقراءة آيات القرآن الكريمللكشف عن أماكن الآثار واستخراجها، من أجل الحصول على أموال منهم،ويوهمونهم بأن هذه الآثار موجودة تحت منازلهم، فيبدأون عمليات حفر أسفلتلك المنازل. وهنا تبدأ المأساة المتمثلة في عمليات النصب، وتصدع وانهيارالمنازل فوق رءوس هؤلاء، وكان آخرها منزل في مدينة السادس من أكتوبر،وتبين أن مالك العقار قام بتأجيره، وقام المستأجر بالحفر على عمق 20مترًا، للتنقيب عن الآثار، وهناك العديد منهم وقعوا في قبضة رجال الشرطةأثناء بحثهم عن تلك الآثار وهناك من لقوا حتفهم أثناء التنقيب عن الآثاربانهيار الحفر عليهم .
ليس ذلك فقط بل إن هناك بعض الصفحات على مواقع الانترنت وصفحات التواصلالاجتماعي، تم تدشينها مؤخرا للترويج لأعمال الدجالين فى استخراج الكنوزوالدفائن من باطن الأرض، وهى تمارس النصب وتبيع الوهم لهؤلاء الباحثين عنالثراء السريع.ونحن بدورنا نؤكد أن جميع المستخرجات من باطن الأرض هى ملك للدولة،وأنه يجب على الدولة وضع التدابير العلمية والقانونية والتوعية الدعويةبهذه الأمور وعدم ترك الناس بهذه العشوائية دون رابط أو ضابط فمع جريمةالإقدام على استخراج ما هو ملك للشعبالذين يدعون أنهم سحرة ويمتلكون القدرة على تسخير الجن لاستخراج الآثارأو الكنوز من باطن الأرض، يضللون الناس ويمارسون الشعوذة والتدليس عليهم،وهذا إتلاف للأنفس وأكل لأموال الناس بالباطل، ، ومن أخذ مالا بالمخالفةالشرعية والقانونية من الناس لاستخراج الآثار أو الكنوز، فهو من باب أكلأموال الناس بالباطل، سيسأل عنه أمام الله تعالي: من أين اكتسبه وفيمأنفقه؟.
الآثار الموجودة فى البيوت أو غيرها، ملك للدولة، فلا يجوز أخذ ما فىباطن الأرض بحجة أنه يمتلك الأرض، فهذا ينافى الشرع، لأن كل ما فى باطنالأرض ملك للدولة، ومن فعل ذلك فقد عرض نفسه للمخالفة الشرعيةوالقانونية، لأنه لا يأتى أحد الآن ويقول (من أحيا أرضا ميتة فهى له)،فهذا مخالف للشرع، لأن الأرض ملك للدولة ولها قوانين تنظم ذلك. ولذا وجبعلى جميع أفراد الشعب أن ينقادوا للقانون الذى ينظم مثل هذه الأمور، وإذاكان هناك تنقيب عن الآثار فيجب أن يكون بمعرفة المسئولين المتخصصين عنذلك، وليس بمعرفة الأفراد، حتى لا يحدث تخريب أو سقوط حوائط أو خلل فىالأرض فيسقط قتلى من جراء هذا الحفر.
الآثار أو المعادن التى تركها الأقدمون ليست ميراثا أو حقا لمن تملكالبقعة التى بها ذلك، لأنها ملكية للمجتمع كله، وما يتبعه آحاد الناس فى
ذلك من التنقيب عنها يمثل جريمة مكتملة الأركان فى الشرع، ولكن عاملالثراء السريع يحدو المجرمين إلى التنقيب عن ذلك مهما تكن نتائجه، من هدمالبيوت، وسفك الدماء، وارتكاب شتى الجرائم، للوصول إلى بغيتهم، ضاربينعرض الحائط بكل أنظمة الدولة وقوانينها.
لا يجوز لأحد أن ينقب عن المعادن أو الآثار المستترة فى باطن الأرض, سواءتلك الأراضى المملوكة للدولة أو لآحاد الناس، وليس لمن عثر على شيء منذلك حق تملكه أو التصرف فيه، إلا إذا أذن له ولى الأمر فى التنقيبوالبحث، لأن المعادن أو الآثار المركوزة فى باطن الأرض، ليست مالا مباحا،ولا يملكها من حازها، بل تكون ملكا لجميع أفراد المجتمع، ويتصرف فيها ولىالأمر بما يحقق المصلحة العامة، فالمعادن والآثار قد يجدها شرار الناس،فلو أقرت ملكيتهم لها، لعاثوا فى الأرض فسادا، كما أن تملك المعادنوالآثار بالاستيلاء عليها قد يفضى إلى التباغض والتحاسد والاقتتال وسفكالدماء، بغية الحصول عليها، فوكل أمرها إلى ولى الأمر، يتصرف فيها وفقمقتضيات المصلحة العامة للمسلمين، درءا للمفسدة، ولأن ما عدا الطبقةالظاهرة من الأراضى المملوكة لآحاد الناس، ليست ملكا لهم، بل ملك للدولة،ولذا فإنه لا يملك أحد من الناس منع تمديدات المرافق التى تكون تحتأملاكهم تلك، حتى لا يكون ذلك تخريبا للعامر من الأرض، واستيلاء غيرمشروع على ما فى باطن الأرض، بل قد يتم التنقيب فى المواضع العامرةالمأهولة بالسكان، فيترتب عليها هدم المساكن، وتخريب التربة، وقتل الناس.
استخراج الركاز والكنوز، أمر يعهد إلى مؤسسات الدولة ذات العلاقة، لأنالملكية هنا ليست لأفراد أو لأشخاص، إنما بناء على اختصاصات ولى الأمرومن يفوضه، والملكية هنا للمجتمع بأسره، سواء الركاز مثل البترول، والنحاسوالمنجنيز والكنوز مثل الآثار والعملات النقدية وغيرها، ويجب على الدولةالترشيد، فلو أنها عملت بنظام المشاركة لأراحت واستراحت، بمعنى لو أنمنطقة يحتمل فيها وجود معادن أو آثار، لو تمت الاستعانة بأجهزة الدولةوبالتقنيات الحديثة، مع إعطاء ملاك الأرض نسبة من هذه المستخرجات، لأمكنالحفاظ على القيم التاريخية للمستخرجات من جهة وأرواح الناس وممتلكاتهممن جهة أخري، بالإضافة إلى عمل خرائط ومجسات وتوفير خبراء لعملياتالتنقيب، بدلا من هذه الأمور العشوائية التى تصطدم بعراقيل إدارية أو جهلبآلية استخراج الآثار والمعادن.