الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

البيئة المسيطرة والوصم والتمييز


منذ لحظة الميلاد تسيطر على عقولنا أساليب التربية الوالدية، حيث تشكل الخمس سنوات الأولى من حياتنا وهي الخمس سنوات الهامة لتشكيل التوجهات المستقبلية والنظرة للكون من حولنا وحكمنا على الأمور في البيئة المحيطة بنا.




نتعلم في الخمس سنوات الأولى الصح والخطأ المقبول والمرفوض، حيث يتولى الوالدان تخطيط خليا المخ لدينا ورسم ملامح وسمات شخصيتنا المستقبلية، فالأب والأم في تلك المرحلة يشبهان الفنان الذى يمسك بيديه الريشة ليخط بها الخطوط العريضة على اللوحة البيضاء لكى يشكل فيما بعد نتاج إبداعه وما يمتلك من فن وبراعه ومهارة تشكيل عقل الطفل ومشاعره وسلوكه.




ويستكمل البناء المعرفي والوجداني والسلوكي لسمات الشخصية لدى الأطفال من خلال مرحلة التعليم الأساسي وما يتلاقاه الطفل من تربية وأخلاق وتشكيل الضمير المجتمعي والوعى بالذات والبيئة المحيطة به ، وردود أفعاله تجاه الأخرين كنتاج للحصيلة المعرفية التي شكلت وجدان الطفل وأصبحت تسيطر على ما يعرف بالجهاز الأخلاقي والقيمي لدى الأبناء.




ونجد أن الرحم الاجتماعي الأول وهو الأسرة يقع عليه بالدرجة الأولى مسئولية  تربية الأبناء
ثم يتبعه في الأهمية ودرجة المسؤولية النظم التعليمية في المراحل الأولى من عمر
أولادنا.




فعندما نجد بيئة أسرية إيجابية لديها قدر من القيم والتسامح والمحبة والتعاطف والأخلاق والمشاعر الإيجابية، وتتعامل مع الأبناء بأسلوب تدعيمي قائم على التعلم والخبرة والصواب والخطأ وتحمل المسؤولية والتعاون والمشاركة، فنجد أن الأطفال يصبح لديهم وعى بذواتهم وبناء نفسي جيد ومخزون من القيم والمبادئ والأخلاق ينعكس على ردود أفعالهم وتعاملهم مع البيئة المحيطة بهم بقدر من المسؤولية والمشاركة الفعالة مع الأخرين والقدرة على لعب الأدوار المختلفة بإيجابية.




كما أن البيئة المدرسية المنضبطة القائمة على أساليب التربية السليمة والتوجه المبنى على القيم والمبادئ المعتدلة ونظم التعليم التي تتماشي مع المراحل العمرية للأبناء، وتنوع المثيرات التعليمية من تذوق للفنون والأداب والمهارات الحياتية، وتعلم الانصياع للضوابط واحترام القوانين والنظم والقواعد المجتمعية، تساعد كلها في تشكيل البناء المعرفي والوجداني والسلوكي للأبناء، وينعكس هذا على السلوك الجمعى الذى يميز نظام تعليمي وتربوي عن آخر، وكلنا نشاهد نواتج العملية التعليمية من خلال سلوك طلبة بعض المدارس العريقة ونقدر
خريجيها ونميزهم عن غيرهم من حيث أسلوب التربية المهذب والالتزام بالأخلاق
والمبادئ والقيم والتميز العلمي أيضًا.




فالبيئة سواء المنزلية أو المدرسية تعمل على تشكيل وبناء شخصية أبنائنا، فأما تساهم بشكل بناء وإيجابي في تشكيل توجهات الأبناء أو تعمل على تشوه معرفى سلوكى ينعكس على البناء النفسي والمردود السلوكى للأبناء وعلى تعاملهم مع البيئة المحيطة بهم.




فالبيئات المسيطرة بشكل سلبي وغير واع على عقول أبنائنا تخلق جيل من العقول منغلقة على ذواتها، تعيش في جزر منعزلة عن العالم ومجريات الأمور، تحكم على العالم من خلال نظرة سلبية، تتمسك بالفكر الأوحد، لا تقبل التغيير ولا تقبل الآخر، تتمسك بوجهة نظرها حتى لو كانت خاطئة لا تسمع للآخر، بل في أغلب الأحيان لا تعترف بالآخر بشكل مطلق. 




ومن هنا ينشأ فكرة التعصب والوصم والتمييز والعدائية تجاه كل ما هو مختلف عن ذوات تلك الشخصيات المنغلقة نتيجة لسيطرة البيئات المتحكمة بشكل سلبي في تشكيل عقول وضمائر أبنائنا.




من هنا ينمو التنمر بالآخر، ومن هنا تنشأ هما ونحن، من هنا تنشأ فكرة القبلية والتفاخر والتباهى بالأنساب والتعالى على الآخر تنشأ فكرة أبيض وأسود غنى وفقير، تعليم عال وتعليم فنى، يمتلك ولا يمتلك، تثمين الأشياء المادية، أعلاء قيمة بعض المهن وتحقير من يعملون في مهن أخرى، حتى على مستوى الأمراض كالإدمان والإيدز على سبيل المثال والوصم والتمييز في التعامل معهم، وذوى الاحتياجات الخاصة والنظرة القاصرة في التعامل معهم.




نجد أن الأمراض الأخلاقية في مجملها منشأها بسبب البيئات المسيطرة السلبية التي تشكل عقول أبنائها على توجهات فكرية قائمة على الوصم والتمييز والتنمر بالآخر، ويأتى دور التربية والتعليم ليستكمل البقية من تشكيل الجزء المتبقى من عقول أبنائنا، من خلال معلم يحتاج إلى إعادة بناء فكرى وأخلاقى أو من خلال كم من المعلومات الصماء دون الاهتمام بالمنظومة الأخلاقية والجمالية لدى الأبناء.




نحتاج لإعادة بناء لمنظومة التربية والتعليم لدينا، نحتاج أن نتعلم نحن كآباء وأمهات أساليب جديدة ومتنوعة لتشكيل وبناء عقول أبناءنا، نحتاج أن نعلم أنفسنا قبول الأخر واحترام سنن الحياة واختلاف وتنوع البيئة نحتاج أن نتقن فنون تقبل الأخر وعدم اصدار الأحكام على الأخر ، نحتاج أن نتعلم قبول ذواتنا حتى نقبل ذوات الأخرين ونستطيع خلق جيل منفتح على البيئة من حوله بشكل إيجابي، بعيدًا عن التنمر والوصم والتمييز لكل ما هو أخر، وللحديث بقية...  

 


المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط