الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

‎كلمات شابة ‫..‬ لـ«‬ثائر عجوز»‬ ‫!‬


الشعر مدرسة خاصة .. لها روادها ومعلموها .. وتلاميذها وخريجوها .. وكلنا ارتوينا من كلمات صلاح جاهين ، ومعانى فؤاد حداد، وحرفية الأبنودى وسيد حجاب وأحمد فؤاد نجم، ودسامة بيرم التونسى وأمل دنقل، وعبق فصحى أحمد بك شوقى .. ومن هذه الأنهار نتجت روافد ونضجت ثمار من الشعراء الشباب وانطلقت إبداعاتهم على الورق تارة، وأنغام الموسيقى تغلفها أصوات الطرب والغناء الرفيع تارة أخرى.

وغالبا ما استحضر هذه الجواهر الثمينة عند مطالعة تجربة شعرية جديدة من خيال واحد من المهمومين بقيمة الكلمة وتأثيرها فى تحريك الوجدان وتغذية العقل والروح .. وكان لقائى هذه المرة مع ورق "عم وجيه أمين" فى ديوانه "دم الولاد" .. أعيش فى رحاب ٥٣ قصيدة قصيرة تحت شمس بلدى بقلبها المحترق على أبنائها من الشهداء .. رجالنا على الجبهة .. وفى الميدان ضد العدو والرصاص الغادر .. ومن هم يختنقون تحت خط نار الفقر والغربة والجهل خلف جدرانهم .. وداخل وطنهم "الحبيب" رغم كل شئ .. وبكلمات عذبة ممتزجة بخبرة السنين وحيوية الأمل فى غد أفضل ومستقبل أجمل، صاغ عم وجيه كلماته فى انسيابية ونعومة وتدفق مشاعر جد وأب وابن مجتمعين .. ووضع نصب أعين  المتذوقين للشعر والنقاد المتخصصين فى الأدب والفنون مُنتَجًا يحترم مكانة العامية وينطق بما تعجز عنه أحيانا مفردات اللغة العربية بكل بحورها ورشاقة مصطلحاتها .. ومع كل اكتشاف لنموذج شعرى فريد ومحترم، ننتظر أن يلتفت القائمون على وزارة الثقافة ورعاة الفكر والإبداع إلى هذه المواهب المغمورة! 

وكلما تنتهى من قصيدة وليدة تتشوق لقراءة التالية والإبحار فى تفاصيلها وأوصاف أبياتها البديعة .. وإن كنت أرى أن جمال أى تجربة شعرية ينبع من اتساق قصائدها وأفكارها فى وحدة عضوية تتحدث وتعبر عن رسالة محددة .. "دم الولاد" .. ولكن عم وجيه تشعب بكلماته وهمومه نحو الحنين  إلى الرومانسية والعواطف الجياشة .. واستسلم لذكريات الماضى واستدعاء الحالة الإنسانية العطرة عبر الزمان والمكان .. من حين لآخر يعود قلمه إلى تكريم كل شهيد ورثاء أسرته المكلومة .. وكان الديوان كفيلا بتغطية كل مظاهر الموت والضياع التى يدفع ثمنها ابن الوطن من دمه وكرامته وحلمه .. فكثير من الدماء تسيل على أسفلت الشوارع نتيجة الإهمال والاستهتار بحياة البشر .. وتسقط من حجرة العمليات وأجنحة المستشفيات والرعاية الصحية الهزيلة .. وتحترق ومعها الأعصاب والأجساد تحت وطأة البطالة وغياب العمل وقتل تحقيق الذات .. وتُستنزف من "عجلة" التعليم البطيئة، وتطحنها "تروس" الإعلام الموجَّه، وتسحقها عدالة القضاء المتأخرة .. ويالها من صور تعبيرية بمقدورها أن تستنفر قلما ثائرا يجمع فى مهارة شعرية بين طاقة الشباب وحكمة الشيوخ .. وكنت أتوقع من لسان "عم وجيه" الفصيح قصائد أكثر قوة وبلاغة فى هذا الاتجاه لنرى ونسمع ونقرأ عمن وراء سيول "دم الولاد" كل يوم .. وكل لحظة فى ألبوم حياتنا .. وإلى اللقاء فى مناسبة شعرية أخرى جريئة وصادقة مع "الثائر العجوز"!.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط