الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

النطق واللفظ.. والكلام والقول!


الترادف في اللغة العربية مشتق من الفعل ردف، ويعني توالي وتتابع الكلمات المفردة التي تدل على نفس المعنى، والترادف موجود في كلام الناس، وغير موجود في القرآن الكريم الذي يمتاز بأنه شديد الدقة في اختيار ألفاظه لأنه كلام الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) التوبة 6، وأيضًا القرآن الكريم هو قول الله: (..وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا) النساء 122.


والفرق بين الكلام والقول، أن الكلام هو المعنى الموجود في أو ذات المتكلم: (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) الكهف 109، أما القول فهو صياغة الكلمة أو المعنى بقالب لغوي وبلغة محددة: (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَا إِنْ هَٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) 31.

قال تعالى: (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ) الانعام 93، وسبب عقابهم بالعذاب هو الكذب الذي قالوه بإرادتهم على الله.


والوحي الإلهي ارتبط بالنطق: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) النجم 4-3، ولم تأت الآية بصيغة "وما يلفظ" أو "ما يتكلم" أو "وما يقول"، والضمير (هُوَ) يعود إلى القرآن، ولا يرتبط بالضمير المستتر في الفعل (يَنطِقُ) الذي يعود إلى النبي عليه الصلاة والسلام، والآية جاءت في مكة حيث كان الكفار يشككون في أقوال الوحي وليس في أقوال النبي.


وعندما يشير القرآن لكلام النبي محمد عليه الصلاة والسلام فانه يعبر بكلمة يقول: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ) الحاقة 44، فلم يقول "ولو نطق" انما (وَلَوْ تَقَوَّلَ) وهى مشتقة من قال وتعني كلام المتكلم بإرادته، أما كلمة ينطق فمشتقة من نطق ويعني الكلام بغير إرادة من المتكلم: (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) فصلت 21، هنا تتكلم جلودهم بغير ارادتهم ووصف تعالى كلامها بالنطق، والفرق هو الإرادة في القول وعدم الإرادة في النطق، فكلام الله وقوله هو الوحي للنبي، والقول من الله ينطق به لسان النبي.


وكلمة نطق من النطاق وهو منطقة محددة أو هو قطعة ثوب يشد بها الوسط، أما كلمة لفظ فتعني الإخراج أو الرمي، واللفظ قد يأتي بإرادة المتكلم أو بغير إرادته، أما النطق فيأتي بغير إرادته.


واللفظ والنطق مرتبطان بالقول، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق 18، فاللفظ هو آلية إخراج القول من داخل النفس وتوصيله الى السامع، ومثله النطق، والنطق بغير إرادة يجعل الإنسان يتحدث في حالات مثل الوحي من الله تعالى إلى رسله، أو أثناء النوم، أو أثناء التخدير.


والنبي عليه الصلاة والسلام كان هو الأجدر بالرد على من يسأله فى أمور الدين، ولكنه لم يتكلم بكلامه الشخصي وكان ينتظر نزول الوحى بالإجابة، فمثلًا سألوا النبي عليه الصلاة والسلام عن اليتامى ولم يجب حتى بالآيات التي سبق أن نزلت عن رعاية اليتيم وحقوقه وانتظر الإجابة: (ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم) البقرة 220.


ومثال آخر هو رواية ابن هشام في السيرة النبوية: "أن عتبة بن ربيعة أحد سادة قريش جاء للرسول في بداية دعوته وقال له: يا بن أخي إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان الذي يأتيك رؤيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه".

فأجاب عليه الصلاة والسلام قائلًا: "أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال فاسمع مني"، وقرأ عليه الآيات من 38-1 من سورة فصلت، "ثم التفت إلى عتبة قائلًا: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك"، ولم يستخدم عليه الصلاة والسلام قوله الشخصي ليرد عليه.


أما وصف الكلمة في القرآن فهو وصفها كمعنى، ووصف القول في القرآن هو وصفه كصياغة لغوية، ولذلك عندما علم تعالى النبي سليمان عليه السلام منطق الطير، فقد علمه فهم الصياغة اللغوية التي من خلالها تعبر هذه المخلوقات عن المعاني الموجودة في نفوسهم: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ) النمل 16، حتى السماوات والأرض كمخلوقات جامدة لها تعبيرها الخاص في القول: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) فصلت 11.


ويوجد فرق بين قوله تعالى وبين قول المخلوقات، فالله يعلم علمًا مطلقًا حقيقة المعاني الموجودة في نفوس المخلوقات، وقدرته تعالى مطلقة على صياغة المعاني بقالبٍ لغوي، أكبر من قدرة المخلوقات على صياغة المعاني الموجودة في نفوسها.


فقول الله تعالى يعبر تعبيرًا مطلقًا عن حقيقة المعاني والدلالات في صياغة المعاني سواء التي أوحى بها تعالى إلى المخلوقات: (وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ) النحل 68، أو التي وصف بها تعالى كلام المخلوقات: (..قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون) النمل 18.


لذلك فالقرآن ينقل لنا كلام المخلوقات التي لها لغات مختلفة، وليس مهمًا أن نعرف اللغة التي نطقت بها تلك المخلوقات، فالصياغة اللغوية التي نقرأها في القرآن الكريم لا يشترط أن تكون هى ما نطق به الأشخاص أو المخلوقات، فالله ينقل لنا حقيقة المعاني التي يعلمها تعالى علمًا مطلقًا في نفس القائل.


ولذلك توجد مستويات للتعبير هى الكلمة واللفظ والنطق والقول، وترتبط الكلمة بالمعنى، ويرتبط اللفظ والنطق بإخراج وتوصيل المعنى للسامع، ويرتبط القول بالصياغة اللغوية.


وفي القرآن الكريم لم يقل لنا تعالى أن الكتب السماوية السابقة هى قول الله، لكن نجد أن القرآن هو قوله تعالى، وهذا سر تحدي الله للإنس والجن على أن يأتوا بمثل القرآن، في الوقت الذي لم يتحدى أحدًا بأن يأتي بمثل الكتب السماوية السابقة.


فالكتب السماوية بما فيها القرآن الكريم هى كلام الله، بمعنى أن المعاني منه تعالى، بينما القرآن الكريم يزيد عنها بأنه قول الله، بمعنى أن الصياغة اللغوية منه تعالى، والقرآن فيه كلمات متشابهة في المعنى، ولكن لا يوجد فيه كلمات مترادفة متطابقة في المعنى، لأن كل كلمة في مكانها تدل على معنى محدد بدقة، وهو الكتاب الإلهي الوحيد الذي ترتبط  فيه المعجزة بالمنهج.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط