الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هوامش على الغزل التركي نحو مصر والسعودية


لا يمكن لأي متابع للشأن العام ألا يتوقف أمام العديد من "عبارات الغزل التركي" التي انطلقت في الفترة الأخيرة من جانب الرئيس التركي أردوغان ووزارة خارجيته، نحو كل من مصر والسعودية.

ومنها تصريحات يقول فيها وزير الخارجية التركي مولود أوغلو: لدينا اتصالات مع مصر على مستوى الاستخبارات أو وزارة الخارجية، كما تحدث هو وأخرين في الإدارة التركية عن روابط  قوية بين القاهرة وأنقرة. بل قال أوغلو مطلع مارس الجاري، أن انقرة تتطلع لتوقيع اتفاق مع مصر لترسيم الحدود البحرية، وبخصوص السعودية، فقد نقل عنه القول:أنه لا يوجد أي سبب يمنع تحسين العلاقات مع السعودية.

والحاصل أنه لا يمكن فصل التصريحات التركية المستجدة على صعيد علاقات "أنقرة العربية" مع متغيرات داخلية تركية. في مقدمتها تحمل الاقتصاد التركي تبعات سياسة تركية عدوانية، امتدت طوال السنوات الماضية وأثرت بشدة على الاقتصاد التركي، علاوة على أنها وصمت السياسة التركية بالإرهاب والعدوانية الشديدة، ولم يكن تسميتها بغير ذلك. وليس هذا فقط بل إن الداخل التركي يكاد يكون مشتعلا تجاه أردوغان وسياسته.

وعليه فالمعني أن هناك "ضرورات حتمية داخلية" تركية تدفع أردوغان لعمل تغيير جذري في سياساته الفاشلة نحو الدول العربية وبالخصوص الدول الإقليمية الكبرى مثل مصر والسعودية.

أما على الصعيد العملي، ودون استباق لمعرفة النتائج التي ستؤول اليها الاتصالات التركية والتحرك التركي المكثف نحو القاهرة والرياض، وعما اذا كانت هذه المساعي ستنجح بالفعل اما تفشل وتتجمد من جديد..
 فإن هناك "حزمة" من المطالب العربية والمصرية والسعودية، وجب على أنقرة النظر فيها واتخاذ قرارت جريئة نحوها إن كانت فعلا تريد استعادة علاقات متينة سابقة.

في مقدمتها رفع يدها عن التدخل في الشؤون العربية، وسحب القوات التركية من سوريا والعراق حتى لاتفاقم المشاكل في هاتين الدولتين، وتستبيح سيادتهما كما تفعل منذ سنوات.

إعادة النظر فيما يسمى بـ"العثمانية الجديدة" وهى سياسة تقوم على استعادة التوسعات وإعادة شبح الخلافة الغابرة.
والمؤكد أنها "سياسة فاشلة"، فأنقرة وقبل أردوغان وقبل الدخول في متاهات السلطنة العثمانية كانت دولة طبيعية  لها أحلام وطموحات مشروعة في نطاق حدودها. أما "العثمانية الجديدة"، هذه فقد  كلفتها أثمانا باهظة عربيًا وأوروبيًا وعلى صعيد علاقاتها مع دول الجوار.

على الرئيس التركي أن يعلم وعيا، أن الزمن العثماني انتهي ودفن مع الدولة العثمانية، مثل إمبراطوريات سابقة انجليزية وفرنسية وإسبانية وبرتغالية. وأن محاولة استعادة هذه الأجواء خطأ يلد خطأ يصل إلى خطأ.

أما على الصعيد المصري، فإن تركيا ارتكبت عدة سياسات خاطئة أقل ما توصف بها أنها "سياسات فاحشة" فقد خسرت مصر لأنها تراهن على جماعة إرهابية سقطت بثورة شعبية في البلاد يونيو 2013. ومحاولة تغيير واقع بافتراضات ومؤامرات، هو خيال محض يقود صاحبه في النهاية لغيبوبة. كما أن السياسة هن فن التعامل مع الواقع وليس مع الأماني والأوهام أو التشنج وسط خيالات.

باختصار..  اختيار مصر واستعادة العلاقات، معها يعني التخلي كليا عن جماعة إرهابية ومسلماتها وقياداتها، واعتقد أن هذا الملف سيكون الأبرز في سياق اتصالات جارية كما يقول مولود أوغلو وزير خارجية أنقرة.

المهم كذلك وربما يفوقه، هو كف اليد عن الأمن القومي المصري والخروج من ليبيا كلمة واحدة، وترك مصيرها لأبنائها، فليبيا أمن قومي مصري من الدرجة الأولى  ولا يمكن المساومة فيه بأي شكل من الأشكال. علاوة على ضرورة إعادة النظر في سياسات أفريقية قد تكون مستفزة وعدائية وهناك تفاصيل كثيرة.

على الجانب السعودي، فإن خطيئة كبرى وجريمة سافرة ارتكبتها أنقرة في حق السعودية. فلمرة جديدة تلعب أنقرة في الظلام لتهديد الأمن القومي السعودي والمسئولين في السعودية لديهم عشرات الملفات التي ينبغي على تركيا ان تبدأ في حلحلتها والتحرك فيها.

والخلاصة.. ومن رأي متواضع فالسياسة ليست فيها عداوات دائمة ولكن مصالح مستجدة، والأيام القادمة ستكون شاهدة على حقيقة التحرك التركي، إن كان صدقا وتريد أنقرة التغيير واستعادة الدفء لعلاقاتها العربية مرة أخرى من بوابتي القاهرة والرياض. أما كذبًا وليس أكثر من تصدير شعارات للداخل التركي.
المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط