الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حكمة الرئيس وقبلة الحياة

تتكون التجمعات السكانية في مصروتتباين طبقًا لحاجة سكان المكان وظروفه المناخية والجغرافيةوالاقتصادية، فنقابل ما يسمى بالنجوع، والعزب، والقرى، والقرى النموذجية، والبندر أو المركز، والمدن الجديدة، وعواصم المحافظات، ثم القاهرة بصفتها العاصمة.

وتشير احصائيات الجهاز المركزي للتعبة العامة والإحصاء لعام 2019 إلى أن مصر بها ما يقرب من 28000 نجع، وهو التجمع السكاني الأصغر، والذي يغلب عليه الطابع الزراعي أو الرعوي ويكاد يخلو من المؤسسات الخدمية؛ إضافة إلى 5655 قرية متباينة الحجم، فهناك قرى تتبع القرى الكبرى، التي تحوي الواحدة منها مجلسًا محليًا وعددًا من المؤسسات الخدمية والمدارس ووحدة صحية وأخرى بيطرية، وهو ما تفتقر إليه القرى الأصغر؛ وهناك قرى قاب قوسين أو أدنى أن تتحول إلى مركز، فتدخل في تعداد المدن الصغرى، بما يؤهلها لزيادة المؤسسات الخدمية بها ورصف طرقاتها وتزويدها بمجلس مدينة، وستاد رياضي؛ إضافة إلى المدارس، بشقيها العام والأزهري، ومستشفى عام، وفروع لبعض البنوك وغيرها.

بيد أنه في الوقت الذي تتحول فيه بعض القرى الكبرى إلى مدن صغرى، نجد أن هناك عدد من النجوع والعزب تتحول إلى قرى، بل إن القرى ذاتها يتفرع منها عدة فروع تحمل نفس الاسم مسبوقة بكلمة كفر أو منية كذا.

ومع هذا التطور الضخم الذي تشهده حركة النمو السكاني، وحركة التجمعات السكانية وتغيرها من مكان لآخر ومن محافظة إلى أخرى، نجد مؤسسات الدولة تتراجع-على مدار عدة عقود-عنالوفاءباحتياجات تلك القرى والنجوع، فتسقطفريسة للفقر والجهل والمرض، ويخرج شبابها في الأغلب الأعم -وقد أنهى تعليمه- فلا يجد فرصًا للعمل، فيتحول إلىارتياد المقاهي يوميًا حتى ينقضي الليل، أو يجنح نحو التطرف الفكري، أو يعمل كسائقيتوكتوك وميكروباص، أو يقوم بهجرة داخلية من القرى إلى القاهرة، أو بهجرة غير شرعية إلى خارج البلاد؛ وهنا تصبح النتيجة كارثية.

وبسبب محدودية فرص العمل مع فقدان الأمل في غد مشرق يحقق فيه أبناء القرية أحلامهم، تظهر لنا ثقافة التوكتوك وما يتبعها من حالات تحرش أو اعتداء أو قتل في بعض الأحيان، مع غياب تام للثقافة البنيوية التي تعمل على الارتقاء بالإنسان وبناء الدولة.

ومن الإنصاف القول إنه كانت هناك محاولات من الحكومات السابقة للنهوض بالريف المصري، وتوفير فرص إقامة مشروعات صغيرة بتمويل بنكي محدود. غير أن أغلب تلك المشاريع لم تخرج عن نطاق الأوراق الرسمية، حيث يذهب التمويل عمليًا إما لتزويج هذا الشاب أو ذاك؛ وعليه يجد نفسه مكبلاً بقروض ذات فوائد مركبة، يعجز عن الوفاء بها؛ مما أدى إلى عدم تحقيق تلك المشروعات الغرض المرجو منها، مع فشل معظم خططالتنمية الريفية. ويزيد الأمر تعقيدًاغياب البنية التحتية للقرى أو تدهورها، وانتشار أكوام القمامة على أطرافها بما يهدد الصحة العامة، في ظل غياب خدمات صحية ملائمة، ناهيك عن تحديد كردون المباني بالقرى دون مراعاة الزيادة السكانية، مما خلق مشكلة سكانية في القرى،وحالات اعتداء على الأراضي الزراعية.

ومن هذا المنطلق تأتي أهمية المشروع القومي لتطوير القرى المصرية الذي أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث سيقدم المشروع خدمات المرافق والبنية الأساسية، من توصيل مياه الشرب والصرف الصحي، إلى جانب المشروعات الخاصة بالكهرباء، والإنارة العامة، والطرق والنقل، وتوصيل الغاز الطبيعي للمنازل، وإقامة الوحدات الصحية، والأبنية التعليمية وغيرها.

ويستهدف المشروع، الذي سينفذ على عدة مراحل، تطوير كافة القرى، ويصل عدد المستفيدين فيها إلى نحو 50 مليون مواطن، بإجمالي استثمارات تصل إلى 500 مليار جنيه.

ولا أبالغ في القول، أن الرئيس السيسي بحكمته ورؤيته الثاقبة يعتبر الرئيس الثاني بعد عبد الناصر-رحمه الله-الذي يضع مشروعًا طموحًا، إنسانيًا في المقام الأول، للنهوض بالقرية المصرية، بل يهبها قبلة الحياة؛ ومن عاش زمن ناصر يذكر كيف كان حجم الإنشاءات التي انتشرت في القرى طوال الخمسينات والستينات من القرن العشرين، وفق رؤية واضحة تجعل من القرية المصرية مجتمعًا منتجًا؛ واليوم قُرانا على الدرب تسير تحت قيادة واعية تعمل بدأبٍ لأجل مصر.

*كاتب ومؤرخ                        

 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط