الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

رجب الشرنوبي يكتب: قفزة في الهواء

صدى البلد

 

إن فرنسا لم تكن متواطئة لكنها فضلت الصمت علي النظر في الحقيقة..هكذا كانت كلمات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من النصب التذكاري عند معرض حديثه عن ضحايا الإبادة الجماعية في العاصمة الرواندية كيجالي..في بداية جولة أفريقية تضم رواندا وجنوب أفريقيا..لم ينكر الرئيس الفرنسي أن فرنسا تحت قيادة الرئيس فرانسوا ميتران ساندت ودعمت منذ بداية التسعينات وحتي العام أربعة وتسعين النظام الرواندي الذي إرتكب مجازر جماعية بلغت ضحاياها من قتل وتشريد أكثر من مليون مواطن رواندي معظمهم من شعب التوتسي..خلال الحرب الأهلية الرواندية التي إستمرت أربع سنوات متتالية في أبشع حرب عرقية في التاريخ..قال ذلك بالرغم أنه نفي أن تكون فرنسا شريكة بشكل مباشر في قتل أو تشريد الضحايا من التوتسيين او المتعاطفين معهم..لكن يبقي سؤال مهم ويطرح نفسه وبقوة الآن..تري ماهي الدوافع التي حملت الرئيس الفرنسي علي تقديم مثل هذه التنازلات خصوصاً بعد فترة من التوتر بين البلدين تخطت ربع قرن من الزمان؟؟!!

في إطار البحث عما يمكن أن يدور في زهن الرئيس ماكرون وأنا أتابعه وأستمع لكلماته التي أنتقاها بعناية..أتصور أنه كان لديه أهداف محددة يعمل علي تحقيقها وهذه الزيارة لطبيعتها الخاصة تعتبر واحدة من الخطوات الهامة للسياسة الفرنسية في القارة السمراء في السنوات الأخيرة.
أول هذه الأهداف:  الإدارة الفرنسية تعلم جيداً أن بوصلة الصراع الإقتصادي في السنوات القادمة تتجة صوب القارة الأفريقية،كما تعي جيداً أهمية أن تكون صورة فرنسا وماتتمتع به من قبول عام بين مواطني هذه الدول الأفريقية أحد المحددات الرئيسية لتواجد فرنسي معقول بين التكتلات الإقتصادية العالمية التي تسعي لعمل شراكات مع دول هذه القارة..خصوصاً في ظل ماتتميز به في فرنسا من تقارب ثقافي بين عدد لابأس به مع الكثير من دول القارة.

ثانياً:الإدارة الفرنسية تعلم جيداً أنها أحد ضلعيين رئسيين يهيمنان علي الإتحاد الأوروبي إلي جانب إيطاليا وتعلم أنها مسئولة عن تقوية التواجد الأوروبي في ظل وجود كيانات إقتصادية كبري مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا..كما تدرك فرنسا أنها نجحت إلي حد كبير في إيجاد شراكات ومصالح تدعم من التواجد الفرنسي في القارة السوداء..بداية من شمال أفريقيا ودورها المحوري في الملف الليبي والعلاقات المتميزة بمصر ودول المغرب العربي بإستثناء الجزائر التي تمر العلاقات فيما بينهم بنقاط ساخنة من آن لآخر..مروراً إلي دورها في منطقة الساحل والصحراء ودول الغرب الأفريقي..كما تسعي بالتأكيد إلي إيجاد دور فرنسي أكثر فاعيلة في الشرق ومنطقة القرن الأفريقي ورواندا أحد المتداخلين بقوة مع دول هذه المنطقة بوقوعها شرق وسط القارة..لذلك يسعي الرئيس الفرنسي إلي تدعيم الوجود الفرنسي بين الشعوب الأفريقية.

ثالثاً:أعتقد أن الإعتراف بهذه المسئولية الفرنسية في رواندا حتي لو كانت بشكل غير مباشر،ينهي إلي الأبد محاولات جماعات يهودية حول العالم مثل جماعة الضمير في الولايات المتحدة ربط ماحدث هناك بما تعرض له اليهود أثناء فترة الحكم النازي في أوروبا،كما يغلق الباب أمام هذه الجماعات الصهيونية لتشوية صورة فرنسا الحرة التي تعتز بقيمها الإنسانية والحقوقية.

رابعاً:الرئيس الفرنسي الحالي يضع دائماً ضمن أولوياته في إدارة الملفات الفرنسية دور القوة الناعمة والتقارب الإنساني والثقافي في حسم بعض هذه الملفات،بما يحقق مصلحة المواطن الفرنسي في نهج مغاير ربما لكثير ممن سبقوه في قصر الإليزيه،خصوصاً إذا تعلق الأمر بأحد الدول الأفريقية في ظل تواجد ثقافي  فرنسي كبير في كثير من هذه الدول التي كانت تمثل مستعمرات فرنسية زمن طويل..لذلك يعمل إيمانويل ماكرون علي تحسين صورة فرنسا لدي هذه الشعوب الأفريقية.

صحيح أن الرئيس الفرنسي لم يقدم إعتذار صحيح عما بدر من فرنسا كما لم ينفي مسئوليتها السياسية عما جري..لكنه بهذه الزيارة أتخيل أنه نجح في تمهيد الأرض ووضع أساس لفصل جديد ومغاير لعلاقات فرنسية رواندية جديدة.