الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هل لا يزال هناك استعمار؟!

 

قد يبدو السؤال مفاجئا للكثيرين، وقد يندهش البعض من توقيت طرحه. لكن لا بأس من توضيح مبررات السؤال ومبررات الطرح ومحاولات الإجابة.
أما بخصوص السؤال.. هل لا يزال هناك استعمار؟ فالعديد من الشواهد السياسية والاستراتيجية في مناطق عدة بالعالم، عربية وأفريقية، تدفعنا دفعا لهذا السؤال. وبالرغم أن الواضح أن حركة الاستقلال والتحرر الدولية، قد حققت جل أهدافها خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين. حتى سمي بـ "قرن التحرر  العالمي"، وبالرغم من نيل عشرات الدول وبالخصوص العربية التي كانت غالبيتها تحت نير الاستعمار قد أعلنت استقلالها. إلا أن الشاهد بعد 7 عقود أن الاستعمار الغربي لم يفارق كثيرا العديد من الدول العربية والأفريقية.
وحتي يكون الكلام واضحا، فإن إقدام العديد من الدول الغربية على اسقاط دول عربية وإسلامية كانت موجودة، واستمرار النفوذ والقواعد العسكرية في عدة دول عربية وأفريقية أخرى يؤكد أن الاستعمار لم يبارح أغلب بلادنا العربية والأفريقية والإسلامية للأسف. وإن اتخذ أشكالا عدة.
ففي العراق و ليبيا، وعندما تم إسقاط أنظمة سياسية راسخة بقوة الآلة العسكرية الغربية. فإن هذا نموذج فج للاستعمار. والقضية أن سقوط العواصم في العراق وليبيا، لم يكن بهدف إحلال الديمقراطية ولم تتحقق من وراءه ديمقراطية والشواهد والأحوال خير دليل.
فليبيا تعيش في فوضى عارمة منذ سقوط دولتها الوطنية وزعامتها التاريخية السابقة، ممثلة في الزعيم الراحل معمر القذافي. وتخرج من مطب لأزمة لوحل لمستنقع طيلة 10 سنوات. والعراق كذلك يكتوي بنار الطائفية طيلة 18 عاما مضت بعد سقوط بغداد في 2003.
والحاصل أن الدول الغربية، أو بالأحرى صحفها ومراكز الأبحاث والدراسات، لا يزالون يندمون ويعتذرون عن هذه الأحداث الغاشمة ويتدارسونها ونتائجها، ويرون ان ما حدث للعراق رغم الأخطاء والجرائم السابقة لرئيسه الراحل صدام حسين، مشكلة ضخمة أو كارثة مدوية، أتبعها هبوب عاصفة فارسية على البلدان العربية، وأتبعها ضياع دولة عربية كبرى هى العراق وترنحها رغم غناها تحت الفقر والنار والتفجيرات والطائفية والإرهاب.
اما ليبيا، فهى مشكلة المشاكل، وقد كان كان التفكير وفق مراكز بحثية غربية، واعترافات مسجلة منشورة، عبر مراكز الاستخبارات وعشرات الكتب، في إسقاط قيادتها معمر القذافي بندا رئيسيا على جدول الحكومات الغربية منذ الثمانينيات. فالقذافي كانت له أهداف محددة ونجح في الارتقاء بليبيا وفق مؤشرات دولية، ونما الاقتصاد الليبي في عهده، وودعت ليبيا العشش الصفيح، وطرد قواعد الاستعمار، واصطدم بالغرب في معارك عدة وبقى قويا شامخا أمامهم. حتى جاءت رياح السموم في 2011 لتحرك جحافل الناتو وفي مقدمة الجموع فرنسا في مهمة غير شرعية وغير مقدسة لاسقاط القذافي.
وبالطبع بعد سقوط العراق وسقوط لبيبيا، كانت العواصم الغربية التي خططت لإسقاط زعامات هذه الدول، أول من قفز على الموارد والثروات وسيطر بقوة السلاح ولعب على الأرض وشكل ميليشيات وطوائف، وهذا ديدن الاحتلال والاستعمار في كل العصور، والقصة بتفاصيلها موجعة ومعروفة.
أما في أفريقيا، فقد استوقفني تصريح للرئيس الفرنسي، ماكرون قبل ايام قليلة، عندما قال انه يفكر في الانسحاب من قلب أفريقيا وإنه لن يساند أنظمة إسلامية راديكالية بعد الأحداث في مالي.. وفرنسا تحديدا كقوة غربية لم تخرج حتى الان من قلب أفريقيا ولها قواعد عسكرية معروفة في مالي وتشاد والنيجر. والفرنك الفرنسي عملة محلية لبعض الدول الأفريقية. وقد كان وزير الخارجية الايطالي، دي مايو محقا عندما اشتكى قبل نحو عام من تكلفة الهجرة غير الشرعية على أوروبا. وقال فيما معناه إنه ليس مفروضا على دول جنوب أوروبا يقصد ايطاليا ومالطا واليونان وأسبانيا ان تدفع التكلفة وحدها، مشيرا الى أن سياسات الاستعمار من قبل بعض دول أوروبا في أفريقيا والرغبة في الحفاظ على قيمة عملتها المحلية، وراء استمرار بقاء هذه القوى في أفريقيا دون ان تتيح لشعوبها امكانية تنمية حقيقية وتبعد شبح الهجرة للشمال.
وتدخلت فرنسا عسكريا عبر السنوات الماضية في العديد من الأحداث السياسية المدوية في دول الساحل وغرب أفريقيا، وفي تشاد ومالي، وهو ما يجعلها موجودة ليس فقط بنفوذ الفرانفكفونية ولكن بقوة التاريخ الاستعماري..
وهذه اشارات بسيطة لنماذج وأمثلة حقيقية موجودة، تؤكد أن الاستعمار لم يأخذ عصاه ويرحل كما كانت تتردد هذه المقولة طوال النصف الثاني من القرن العشرين، ولكنه أخذ عصاه واتكأ على جبل قريب وعندما تحين الفرصة – أي فرصة- فإنه لا يتورع عن الدخول بعصاه وأسلحته ونفوذه وعلاقاته على الأرض من جديد.

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط