الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا

من صفات المشركين والكفار أنهم يتمسكون بالثوابت غير الصحيحة المتوارثة عن أسلافهم، وإذا خالف دين الله الثوابت المتوارثة فهم يرفضون ما أنزل الله لأنه يكفيهم ما وجدوا عليه آباءهم: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) المائدة 104. 
والتمسك بالثوابت الخاطئة للسابقين جاء في قصص الأمم السابقة، مثل قوم النبي إبراهيم عليه السلام: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ. قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ. قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الأنبياء 52-54، وأيضاً قال عنهم تعالى: (قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ) الشعراء 74.
واتهم فرعون وقومه النبي موسى عليه السلام بتشكيكهم فيما وجدوا عليه آباءهم: (قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا) يونس 78، ورفضت قريش اتباع ما أنزل الله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ) البقرة 170.
والموروث يتغير، ولكن التغير يتم تدريجياً وليس فجأة، ولذلك يقبله المجتمع، وهذا ما يحدث للتشريعات الدينية التي تبدأ تتغير بمرور الزمن، فتحل تشريعات وعقائد جديدة محل العقائد والتشريعات الأصلية، وتظهر الفرق والمذاهب التي يظنها الناس على أنها من الدين، وبعد فترة يكون الناس قد استبدلوا الدين الصحيح بدين من عند أنفسهم، ولذلك تكرر إرسال الرسل لإعادة الناس للدين الصحيح، ولو كان الناس لا يبدلون في الدين لبقوا على دين آدم ولم يحتاجوا لرسالات جديدة.
فعبادة الأصنام، تحول إليها الناس كبديل لدين الله عبر أجيال، بدأت بالقول بأن الإنسان بطبعه يقع في المعاصي، فيلزم عليه عند مناجاته أو دعاؤه لربه أن لا يذكر اسم الله مجرداً تنزيهاً له سبحانه، ثم تطورت الفكرة مع الزمن إلى اعتبار أن الإنسان العاصي يجب ألا يتصل بالله تعالى مباشرة بل يجب أن يمر ذلك عبر وسيط هم الصالحون، وبعد أن مات الصالحين خلدوا ذكراهم بصنع تماثيل لهم، والتي تحولت عند البعض لأصنام تشفع لهم، وتحولت عند بعض الأخر لآلهة تعبد لذاتها من دون الله.
ويذكر تعالى تمسك الكفار بإجماع من سبقهم وأنهم مهتدون بهذا: (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) الزخرف 22، ويتكرر ذلك في كل مجتمع فاسد تتحكم فيه نخبة فاسدة، أنهم يتمسكون بما وجدوا عليه من سبقهم: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) الزخرف 23، وقال تعالى عن أهل النار: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ. فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) الصافات 69-70. 
ومن أهم الأسباب التي تمنع الناس من الرجوع للدين الصحيح، أن النخبة الفاسدة من أصحاب المصالح لن يسمحوا بنقد الموروث: (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ) الزخرف 24، وأنهم يتمسكون بأنه يكفيهم ما وجدوا عليه آباءهم، لأنهم لا يختلفون عن السابقين: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ) التوبة 68، حسبهم الخلود في جهنم واللعنة والعذاب المستمر.
أما المؤمنون فحسبهم الله تعالى يتوكلون عليه ويستعينون به، وغير المؤمنين لا يكفيهم الله وحده وليس حسبهم: (حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا) المجادلة 8، ولذلك فإن حسبهم جهنم أي يكفيهم عذاب جهنم.
 

المقالات المنشورة لا تعبر عن السياسة التحريرية للموقع وتحمل وتعبر عن رأي الكاتب فقط