الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

عبد المعطى أحمد يكتب: يونس القاضى مؤلف نشيد بلادى بلادى

صدى البلد


قليل هم الذين يعرفونه,حيث مازالت المغالطة التاريخية التى تقول: إن مؤلف هذا النشيد هو بديع خيرى أو سيد درويش هى الأكثر انتشارا أو شيوعا بين الناس,والحقيقة غير ذلك على الإطلاق,فالمؤلف الحقيقى لنشيد بلادى بلادى هو محمد يونس القاضى المولود فى الأول من يوليو عام 1888لأبوين من أسرة عريقة بقرية النخيلة التابعة لمركز أبو تيج بمحافظة أسيوط, وقد كتبه لترجمة مشاعر الشعب المصرى بعد نفى سعد زغلول ورفاقه, وللأسف لم يتذكره أحد للاحتفال به,سواء محافظة أسيوط مسقط رأسه,أو وزارة الثقافة,ولولا أن قيض الله باحثة فى قامة الدكتورة إيمان مهران لما وجدنا سوى النبذات الصغيرة عن هذا الرائد,فقد أصدرت كتابا بعنوان"شيخ المؤلفين محمد يونس القاضى رائد التأليف المسرحى والغنائى"على نفقتها الخاصة,وهو الكتاب الوحيد عن شخصية هذه القامة الرفيعة.والده هو القاضى يونس أحمد الشهير باسم يونس القاضى, ووالدته هى السيدة عائشة الحريرى من أعيان القاهرة الفاطمية,وقد ارتبط محمد يونس القاضى وطنيا وروحيا بالزعيم مصطفى كامل,وقد استمد شاعرنا القاضى كلمات نشيد بلادى بلادى من خطبة للزعيم الذى كان يرعى الشاعر ثقافيا ومعنويا,وقد تربى فى ظلال مدرسة الزعيم,وتعرف إليه عام 1905 حين كتب مقالة فى جريدة اللواء يهاجم فيها الانجليز,وعن ذلك اللقاء يقول القاضى:"خرجت من عنده وأنا متحمس جدا,وبدأت فى تأليف الجمعيات الوطنية بالأزهر,ولاينسى بالطبع ما قاله له الزعيم مصطفى كامل:"ياشيخ يونس أنا بخطب بالفصحى والفرنسية والإنجليزية,ولكن الناس فى حاجة لمن يحدثهم بلغتهم,وأنت الوحيد الذى يستطيع ذلك".فقام بشرح خطبه التى كان يلقيها بالعربية الفصحى,وكان يترجم أيضا محتويات خطبه بالانجليزية والفرنسية إلى العامية لأبناء قريته النخيلة.
وقد دفع يونس القاضى ضريبة أغانيه ومسرحياته الوطنية,حيث تعرض للآعتقال 19مرة.اعتقله الإنجليز حين رأوا الجماهير تردد أغانى مسرحياته فى المظاهرات,وكما يروى فى أحاديثه الصحفية أن وكيل الداخلية أنذاك ويدعى نجيب باشا قال له بعد أن أمسك الجبة والقفطان الذى يرتديه:بدل ماتقول الكلام الفارغ ده دور ازاى تصنع جبة فى بلدك الأول,ويعلق القاضى على هذا الحادث قائلا:هذا الكلام ظل فى رأسى إلى أن ناديت فى الروايات والمسرحيات التى أكتبها بإنشاء المصانع ومنها أغنية "أهو ده اللى صار ..مالكش حق تلوم على"لذلك لم يكن غريبا عليه إبداع مثل هذا النشيد العبقرى "بلادى بلادى" الذى لايزال يعيش فى وجدان الأجيال,وتجلت عبقرية القاضى فى الأغنية الوطنية عند التقائه بالشيخ سيد درويش عام 1917 حين كان هاربا بعدأن حطم ضلوع زوجته جليلة .ومن طرائف اللقاء أن القاضى بادر سيددرويش بعد أن دله أحدهم عليه بعد رحلة عناء:أنا كنت فاكر الشيخ سيد ضرير وعجوز مهكع وأجابه سيد على الفور: وحياة النبى أنا كنت فاكرك أعمى وأقرع ونزهى,وامتدت صداقتهما بعد هذا اللقاء,وأثمرت باقة من الأغانى المهمة منها العاطفى والوطنى مثل زرونى كل سنة مرة, وقبلها نشيد بلادى بلادى, بالاضافة إلى "اهو ده اللى صار"و"أنا هويت وانتهيت"و "يابلح زغلول"و "خفيف الروح بيتعاجب"و"شال الحمام حط الحمام"و"ياعزيز عينى"التى كتبها بسبب إجبار الشعب على الخدمة العسكرية فى صفوف الإنجليز المحتلين,ولاينسى التاريخ له أغنيته عام 1911وكأنه يكتبها عن أحوال مصر هذه الأيام:ياست مصر صباح الخير..يسعد صباحك ياعنية..فين العدالة يامونشير..وبس فين الحرية.
وتمتد علاقات يونس القاضى بأساطين الطرب والموسيقى فيقول فى إحدحواراته الصحفية عن علاقته بالموسيقار محمد عبد الوهاب:عرفت عبد الوهاب قبل أن أقدمه إلى سيد درويش ببضع سنوات,وكان يعمل فى محل الترزى أحمد يوسف,وكان شقيقه محمد يوسف فنانا قديرا فلفت أنظارنا إلى الصبى الصغير الذى يرتدى الجاكيتة فوق الجلباب,وكنت وقتئذ أعد رواية لفوزى الجزايرلى وهو على صلة بالشيخ حسن عبد الوهاب شقيق محمد,وطلبنا منه أن يأتى لنا بشقيقه ليغنى بين فصول الرواية(يقصد المسرحية),وجاء عبد الوهاب وغنى بثلاثة قروش صاغ فى الليلة,ويضيف القاضى:ولكن كان هناك أجرأدفعه أنا لعبد الوهاب سواء غنى أو لم يغنى, وكان يرفض الغناء إلاإذاتناول طبق العاشورةإلى أن قال:وحين توفى الشيخ سلامة حجازى عام 1916 انفسح المجال لعبد الوهاب واتيحت له فرصة الغناء والتمثيل فى المسرحيات مثل شهر زاد وبعدها غنى بدلا من سيد درويش فى رواية الباروكة ورحب به سيد وحياه قائلا:"ولد عال ولازم يكون حاجة كبيرة فى المستقبل".ويونس القاضى هو مكتشف أم كلثوم, فقد سافر إليها فى قريتها طماى الزهايرة بالمنصورة وأقنع والدهاالشيخ إبراهيم بالرحيل إلى القاهرة,والتحول إلى غناء القصائد والأغانى العاطفية والوطنية بجانب الإنشاد الدينى,ولكن والدها الشيخ ابراهيم لم يرض,ومرت الأيام وقد التقاهم القاضى فى مولد الحسين,وكان معه الشيخ سيد درويش,وعرض خالد الذكر ان يقدم لها الألحان مجانا إلا أن والدها رفض رفضا باتا,وظل القاضى يلح على والدها إلى أن وافق أن تغنى قصائد عبده الحامولى ومنها أغنية"وحقك أنت المنى والطلب",وبعدها لحن لها عبد الوهاب أغنية خفيفة من تأليف الشيخ يونس القاضى مطلعها"قال إيه حلف مايكلمنيش"وسرعان مااشتهرت بها حتى أصبحت تنافس منيرة المهدية سلطانة الطرب فى زمانها وصارت فيما بعد سيدة الغناء الأولى فى العالم العربى . 
ويروى الأستاذ حسين عثمان فى حكاياته وذكريات من الذاكرة بمجلة الكواكب عام 1979أن يونس القاضى سجل بلادى بلادى مع عشرة أناشيد أخرى فى المحكمة المختلطة عام 1923قبل أن تكون هناك جمعية للمؤلفين والملحنين,وقد غنت هذا النشيد الست تودد على اسطوانة مسجلة لشركة ميشان تحت رقم 923وكذلك الأستاذ محمد بهجت لنفس الشركة تحت رقم942,وقد اختاره الموسيقار عبد الوهاب عام 1978عقب توقيع معاهدة السلام ليكون النشيد الوطنى للبلاد,وبعدها تحرك هو وأبناؤه لإثبات حقوق الأداء عن النشيد لدى شركات التسجيلات.