الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

مهندسة ديكور صنعت حالة من الحب بينها وبين الجلود فكيف يؤذي المحب حبيبه|اِعرف حكاية منى منجود

ارشيفية
ارشيفية

خطوطها حادة ومستقيمة، وتختار التصميمات الهندسية الصريحة، كالمثلث أو الأهرامات، والمربع والمستطيل، لكنها ترفض أن تحرق أو تدق الجلود التى تستخدمها لصناعة الحقائب أو المحافظ أو الأحزمة أو المقاعد أو حتى الاكسسوارات، بل تدلل الجلد الذى تصنّعه، وتشعر أن بينها وبينه علاقة حب ..ولا يصح أن يؤذى الحبيب حبيبه بالحرق أو الدق.

 

منى منجود تخرجت في قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة بالإسكندرية عام 2009، عملت لسنوات في مجال الديكور بشركة مقاولات ومكتب استشارى للديكور، ذات يوم اشترت شنطة ذات ماركة جيدة، لكن تأثر جلدها خلال فترة قصيرة.

وقتها قررت أن تصنع لنفسها حقائبها بناء على دراستها في كلية الفنون الجميلة، وأرادت أن تتقن عمل الحقيبة بالتعلم على يد مدربة متخصصة، لكن لم تعثر على المدربة التى لديها المعلومات التى تحتاجها.

بحثت منى عبر فيديوهات الانترنت عن كيفية صناعة المنتجات الجلدية بجودة ومتانة عالية، و"تقفيل"يشبه تقفيل حقائب ومحافظ الماركات العالمية، وبالفعل اشترت الجلد وصممت لنفسها حقيبة، وصنعتها خطوة خطوة بنفسها، وكانت بداية قصة الحب.

بوجه بشوش، تسير منى كالفراشة بين زملائها في معرض ديارنا بمارينا 5 العلمين بالساحل الشمالي، تلقى السلام على عم أحمد فنان الرسم بالرمل، القادم من الواحات الخارجة، وعلى جارها القادم من "فوة"كفر الشيخ عصام ياسين، صاحب الكليم اليدوى، وكريم خلف فنان الخيامية ومدربها.

المشاركة بمعارض ديارنا التى تنظمها وزارة التضامن الاجتماعي لفناني الحرف اليدوية التراثية، جعلت الكثير من العارضين عائلة واحدة، يتشاركون الطعام قبل أن يهل مرتادو المعرض، ويمكن للواحد أن يطلب من زميله أن يقف بدلا عنه لدقائق، للصلاة أو لقضاء حاجة، أو للحديث في الهاتف، أو لجلب ماء وعصير يشاركه مع الباقين.

منى مدينة لوزارة التضامن الاجتماعي، لأن معارضها عرفت الجمهور على انتاج منى، وعرفتها على آراء الجمهور، "بنشوف منتجين من محافظات مختلفة، ونتعلم من بعض، ونشجع بعضنا البعض، وأتمنى أن تدعم الوزارة المنتجين بالتدريب على طريقة تقفيل المنتج، التى كثيرا ما تكون نقطة ضعف المنتج المصري".

منى التى بدأت مشروعها قبل ما يقرب من 4 سنوات، تشارك فى معارض ديارنا منذ ما يقرب من 3 سنوات، واختارت الاسم الذى تدلل وتنادى به من أسرتها"موندا"ليكون علامتها التجارية"براند"، تكتبه بالانجليزية على حقائبها وكل منتجاتها.

البداية كانت حين نجحت في أن تصنع حقيبة يد لنفسها، استطاعت أن تلفت انتباه القريبات والصديقات، وأن تدفعهن لأن يطلبن منها أن تصنع لهن حقائب، بنفس الذوق والجودة والتفرد في التصميم.

جلد تصدير

بعد نجاح منى في أن تبيع ما تنتجه يدها لأصدقائها، أصبح لديها من المال ما يمكنها أن تشترى به خامات وأدوات، لتنشىء ورشة في بيتها، لتصنع لنفسها حقائب كما تريد، وللأهل والمعارف، وهنا قررت ترك وظيفتها الثابتة الدخل في شركة المقاولات والمكتب الاستشارى، لتتفرغ لمشروعها ولحبها الجديد"الجلد".

أرادت منى أن تحصل على الخبرة العملية في الحصول على الجلد الطبيعي، وأسرار تصنيعه، وعرفت أن هناك اثنين من أسطوات المهنة يمكنهما أن يدلاها على ماتريد، ورشتهما في منطقة السكة الجديدة بالاسكندرية حيث تقيم، "كنت عايزة أعمل منتج مختلف، قوى وذوقه رفيع، اشتغلت ببلاش في ورشة الأسطى"فلة" ويحي شاهين، صاحبا السمعة الكبيرة في مجال تصنيع الجلود، عشان أعرف كل المعلومات عن صناعة الجلود".

عرفت منى من هذه التجربة طريق المصانع التى تبيع الجلد المدبوغ جيدا، مرتفع السعر، ولذا فإن أغلبه يخصص للتصدير خارج السوق المحلي المصري، "لدينا في مصر أفضل أنواع الجلود، البقر والغنم، لكن الدباغة هى المختلفة، ثمن الجلد في دباغته، اشترى جلد تصدير، جلد طبيعي مدبوغ صح، سعره ثلاثة أضعاف مثيله في السوق، الجلد المدبوغ صح لا يدخل الملح في دباغته، ولا يتعفن إذا طاله الماء، ولا تخرج منه رائحة زفارة، ويعيش طويلا وخفيف الوزن".

فكرت منى أن يكون لديها مدبغة، ليكون خط انتاجها من الجلود من البداية، إلى يد المستهلك، لكن اكتشفت أن عليها أن تشترى مواد دباغة بما يقرب من مليوني جنيه ليدبغ الجلد بطريقة سليمة، وأن عليها أن تدبغ كميات هائلة من الجلود، لتبدأ دورة العمل، فتراجعت عن الفكرة، واكتفت بشراء جلد التصدير. 

"دائما ما تقول لى ابنتى أنت تحبين الجلد أكثر منى، ذلك لأنى أرى أن الجلد الطبيعي كان في جسد حي وبه جزء من روح هذا الكائن، أتعامل معاه كأنه بشرتى، أنا أيضا أضيف إليه من روحي، ومن يستخدمه كذلك يضيف إليه من روحه، أوصى من يشتريه بالعناية به، وأقول لمن يشترى الشنطة أو المحفظة: من فضلك رطبها بالكريم ، مثلما تهتم ببشرتك".

حب منى "موندا" للجلد دفعها للابتعاد عن أن تستخدم في تشكيله النار" الحرق"، أو "الدق" الذى يصنع رسومات بارزة على الجلد،"اللى يحب الجلد لا يؤذيه بالحرق أو الدق".

مدربة في بشاير الخير

قديما استخدم قدماء المصريين الجلود في صنع الملابس والخيام؛ وكقرب للماء وحفظ الشراب، وكحافظة للسهام في الحروب. واستعملوا أكثـر مـن أسـلوب لتشكيل واستخدام الجلد منها "الحرق، التضفير، التدكيك، التطعـيم"، فكان يرتدي الملوك فوق ملابسهم صديرية من الجلـد وحـزام حـول الخصر مطعم بالجواهر والمعادن، وأشهر هؤلاء الملكة "نفرتيتي" حيث كانت ترتدي فوق لباسها الحريري صديرية من الجلد وحزاما حول الخصر مطعما بالجواهر والمعادن.

وشاع استخدام الجلد في العصر الروماني واليوناني، واستخدمه المسلمون الأوائل لحفظ القرآن الكريم، وتغليف الكتب، واستعملوا عليه الدهانات وتركيب الزخارف، وابتدعوا فيه أسلوبا جديدا في التشكيل وهو الرسم على الجلد بماء الذهب "التذهيب"، وبدأ إنتاج الجلود على نطاق واسع في بداية القرن التاسـع عشر الميلادي.

تستخدم منى في ورشتها أدوات تقطيع الجلد، مثل الكاتر والمقص، وأدوات الرسم مثل المسطرة الحديد والمثلث وأقلام الرصاص والباترون الخشب أوالورق الكرتون المقوى لنقل الرسوم، وأدوات الثقب مثل الشوكة ذات الاثنين أو الأربعة أو الستة شوكات، والخرامة ولا تستخدم أدوات الدق كالسنابك ولا أدوات الحفر والنقش، لكن تستخدم خرامة الأحزمة، وإبر الجلد للخياطة، وتفضل استخدم الخيط مقاس 9 فتلة المطلى بطبقة من الشمع، لطول عمره ومتانته."سعر البكرة 85 جنيها، مقابل 5 جنيهات فقط ،هى سعر بكرة ماكينة خياطة الجلد".

في مركز التدريب المهنى بمنطقة بشاير الخير، التى بنيت ليسكن فيها أهالينا بالمناطق العشوائية بالاسكندرية، تتطوع منى لتدريب عشرة من السيدات هناك على صناعة الحقائب والمحافظ وغيرها شهريا، وتختار في كل شهر أمهر 3 من هؤلاء العشرة، توفر لهن الخامات والتصاميم، لتقمن باللصق والخياطة داخل بيوتهن، وتقوم هي بتسويق هذه المنتجات، مع انتاج ورشتها، وتدفع للسيدات نظير مجهودهن.

" لما بأدرب الستات والبنات بأحس إني بأذكي عن علمي، وأنفع به ناس تانية، وأخليهم يخرجوا من حالة نفسية، إلى حالة نفسية أفضل، زى ما حصل معايا، كنت أمر بحالة نفسية صعبة، والشغل في الجلد خلانى أحس إن لسه في أمل، وإنى ممكن أعمل حاجات حلوة، أفرح بيها ، وأفرح بيها ناس تانية".

ورشة منى يعمل بها خمسة صنايعية، هى تصمم وتقطع الجلد، وهم يقومون باللصق والخياطة والتقفيل، "كل شنطة لها طريقة في التقفيل، تلصق بطريقة معينة، ويخفف اللصق بالماء، أصنع أغلب الحقائب من دون تبطين، أتركها على الوبرة الأصلية، لأن الوبرة تحمل طاقة الكائن الحي، ولها أثر إيجابي على من يستخدمها، وإذا وجدت أن بعض التصميمات تحتاج التبطين، يكون التبطين بطبقة أخرى من الجلد الطبيعي أيضا، مثل التصميم الشهير الذى يشبه حقيبة المدرسة التقليدية".

تشترى منى  الجلد المدبوغ بألوانه المختلفة، مثلما ينتجها المصنع"الأحمر والأزرق والأسود والبنى والأخضر،لا استخدم صبغات، يمكن أن تبهت أو تخف بالاستخدام أو تترك أثرا على الملابس، أترك ملمس الجلد كما هو، طبيعي مثل بشرتنا، التى تختلف من شخص لآخر، عن نفسي أحب ملمس جلد الضأن".

حكاية الشنطة"الشبكة"

على رفوف جناح منى في معرض مارينا 5 بالساحل الشمالي، تنتشر على الجانب الأيمن شنط اليد ذات التصميم الذى تتداخل فيه المثلثات، أو كما تسميها الأهرامات، كل شنطة بلون واحد، بخطوط واضحة ومستقيمة وحادة، وبساطة، وشنط أخرى على شكل مربع، وأخرى على شكل مستطيل، ولا توجد بكل هذه الشنط رسوم أو ورود أو ما شابه.

يطلب الكثير من الزبائن شنطة الأهرامات، التى يشبه تصميمها"البقجة"، والشنط المربعة بالحزامين الجانبيين، ذات الشكل الذى يشبه شنطة المدرسة، بأحجام مختلفة، وفي أعلى الجناح تبرز عدة شنط، كل واحدة بلون، من الشنطة "الشبكة" التى داخلها شنطة من القماش، "سيدة تعيش في كندا، كانت تزور معرض ديارنا منذ عام، قالت لي تقدرى تعملي التصميم ده؟، بقيت طويلا أحاول أن أصنع فتحات الشنطة، حتى توصلت إلى أن الطريقة، التى يدخل فيها أن يبل يغطس الجلد في الماء ويوضع بداخله ثقل، وتعلق الشنطة لتجف والثقل بداخلها، لتبقى فتحاتها مفتوحة، بما يشبه الشنطة الشبكة التى كنا نستخدمها في شراء الخبز من الفرن، ثم صنعت لها شنطة من القماش لتحفظ الأشياء التى ستوضع داخل الشنطة، حتى لا تقع من فتحاتها".

تصميمات شنطة الأهرامات المختلفة الأحجام التى تتراوح أسعارها من 900 إلى 1200، وشنطة المدرسة ذات ال 1600 جنيه، والشنطة الشبكة، والمحافظ ذات ال350 جنيه، هي أكثر ما يطلب من منى، والأكثر مبيعا، ومؤخرا أرادت منى أن تجرب عمل حلق وعقد من جلد الماعز المستورد، ومقاعد من الجلد، "أعود لعالم الديكور بالمقاعد الجلد".

توصى منى مستخدمي الجلد الطبيعي، بمعاملته معاملة حسنة، وعدم إهماله أو إلقائه في الأرض، وتنظيفه بقطعة قماش قطنية مبللة بالماء أو الماء والصابون، وترطيبه بكريم الجلد ذى الألوان المتعددة، وإذا لم يكن متوافرا يمكن استخدام كريم البشرة، "أحب أعمل شنطة مريحة، يمكن أن تتوارثها الأجيال، الإهمال يقصّر عمر الشنطة، وأيضا الكحول المطهر، خاصة إذا وصل للوبرة".