أتمت رحلتها بخفة وابتسامة لا تغيب، ورحلت في هدوء- اليوم 3 سبتمبر- الجميلة القديرة الدكتورة أمينة رشيد، بنت الذوات، سليلة العائلة الأرستقراطية، الأستاذة الجامعية والناقدة المصرية، التي نشأت فى بيت يتحدّث الفرنسية، حيث تعلّمت العربية كـ«لغةً أجنبية».
تفتَّح وعيها الاجتماعي والسياسي مبكرا، على التناقض الصارخ بين القصر الذى تعيش فيه، وأكواخ الفقراء المحيطة به، في ظل عائلة أرستقراطية استوعبت جدها إسماعيل صدقى باشا، رئيس الوزراء، فى النصف الثّاني من الأربعينيات، وابن خالة والدتها محمد سيد أحمد، المثقف اليساري، سليل الأغنياء الذى قضى حياته مدافعا عن قضايا الفقراء.

رحيل هادئ لأرملةالناقد الكبير الدكتور سيد البحراوى
أعلن الكاتب الصحفى سيد محمود، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، رحيل الدكتورة أمينة رشيد، أستاذ الأدب المقارن، بقسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب، جامعة القاهرة، أرملة الناقد الكبير الدكتور سيد البحراوى، أستاذ الأدب العربي الحديث والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة، قسم اللغة العربية.
وكتب سيد: «لم أعرف الدكتورة أمينة رشيد معرفة مباشرة كتلميذ، لأنى لم أدرس الأدب الفرنسي، لكنى عرفتها زوجة لأستاذي وصديقى الدكتور سيد البحراوي، الذى كان بمثابة شقيق أكبر لجيلي كله، ولا أنسى لها أبدا ليلة كنت مدعوا فى بيتها لأول مرة، وأحزان كثيرة تغمرني، وكانت ليلة مباراة نهائي كأس العالم 1998 بين فرنسا والبرازيل، فسألتها: "حضرتك بتفهمى في الكورة؟؛ فردت: لأ، بس بفهم في فرنسا، وضحكت ضحكتها الأنيقة كبيت شعر لجاك بريفير، وعاملتنى بمحبة ظل، أثرها مستمرا إلى اليوم، وداعا للأستاذة التى تلقب بالملاك، وداعا لقيمة فى حياتنا والعزاء لكل تلاميذها».
نشأة في قصر فخم وسط أكواخ
ولدت الناقدة أمينة رشيد، فى القاهرة عام 1938، ونشأت فى بيت يتحدّث الفرنسية، وتفتح وعيها الاجتماعى والسياسى مبكرا على التناقض الصارخ بين القصر الذى تعيش فيه وأكواخ الفقراء المحيطة به، وهو ما شكل وجدانها فيما بعد.
تخرجت في قسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة القاهرة سنة 1958، ثم نالت بعثة للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة السوربون سنة 1962، وعملت بين عامي 1970 و1978 باحثة في المركز القومي للبحث العلمي في فرنسا، لكنها تخلت عن هذا المنصب الرفيع وعادت إلى مصر.
تم اعتقالها في سبتمبر 1981 مع لطيفة الزيات وشاهندة مقلد وصافيناز كاظم وآلاف المعارضين لسياسة الرئيس محمد أنور السادات، وشاركت في مظاهرات دعم مقاومة الشعب الفلسطيني، وفي تأسيس لجنة الدفاع عن الثقافة القومية والمجموعة المصرية لمناهضة العولمة، وحركة 9 مارس لاستقلال الجامعات,

مسيرة حافلة في الأوساط العلمية والثقافية
نالت أمينة رشيد، تقدير الأوساط العلمية والثقافية في مصر وخارجها، وتم الاحتفاء بمسيرة حياتها الحافلة عبر وسائل مختلفة، منها كتاب بعنوان «إلى أمينة رشيد» صدر عام 2010 عن دار العين بثلاث لغات، العربية والفرنسية والإنجليزية، جمع وتقديم راندة صبري ورانيا فتحي، واختارتها المخرجة تهاني راشد لتكون إحدى شخصيات فيلمها التسجيلي “4 نساء من مصر”، وظهرت فيه أمينة رشيد التي يعرفها الجميع مثالًا للمثقفة الملتزمة بقضايا المجتمع والقيم الإنسانية الكبرى.

وفي مارس الماضي، أقامت مجموعة بينيات للأدب المقارن بقسم اللغة الفرنسية بكلية الآداب جامعة القاهرة، احتفالية خاصة لتكريم الدكتورة أمينة رشيد، أستاذ الأدب الفرنسي والمقارن.

أهم أعمال الناقدة والمترجمة أمينة رشيد
من أعمالها، قصة الأدب الفرنسي عام 1996، تشظى الزمن في الرواية الحديثة عام 1998، الأدب المقارن والدراسات المعاصرة لنظرية الأدب عام 2011.

أما أبرز أعمالها المترجمة «الأيديولوجيا: وثائق في الأصول»، ميشيل فاديه، عام 1982، «المكان»، رواية، آني إرنو، عام 1994، «الأشياء» رواية لجورج بيريك، عام 2001، «النقد الاجتماعي نحو علم اجتماع للنص الأدبي» لبيير زيما، عام 1991.

ومن الدراسات والمراجعات «ملاحظات حول مفهوم الثقافة القومية، المواجهة: كتاب غير دوري يصدر عن لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، الكتاب الثاني، عام 1984»، «علاقة جديدة بين الذات والآخر أم إعادة تبعيتها للآخر»، مجلة العربي، عدد أكتوبر 2001، الكويت، «المفارقة الروائية والزمن التاريخي»، مجلة فصول، العدد الرابع 1993، كتاب وينيفرد وودهل: كتابات عبر مغاربية (النسوية ما بعد الاستيطان، الآداب)، نشرة فصلية متخصصة بمراجعة وتقديم كتب المرأة العربية، ربيع 1996.