الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في ذكرى رحيله.. خيري شلبي صاحب الواقعية السحرية ومكتشف محاكمة طه حسين

خيري شلبي
خيري شلبي

يعتبر الكاتب والروائي خيرى شلبى، الذي تحل اليوم ذكى رحيله،  واحدًا من رواد الرواية العربية، وصاحب رحلة كفاح لا يقوى عليها إلا من امتلك إرادة من فولاذ، ورائد الفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة، وتعد روايته «رحلات الطرشجي الحلوجي»، عملا فريدا في بابها، وقد ترجمها إلى الإنجليزية المترجم الأمريكي مايكل كوبرسون.

خيري شلبي، من أوائل من كتبوا ما يسمى الآن بالواقعية السحرية، ففي أدبه الروائي تتشخص المادة وتتحول إلى كائنات حية تعيش وتخضع لتغيرات وتؤثر وتتأثر، وتتحدث الأطيار والأشجار والحيوانات والحشرات وكل ما يدب على الأرض، حيث يصل الواقع إلى مستوى الأسطورة، ولكن القارئ يصدق ما يقرأ ويتفاعل معه، وعلى سبيل المثال روايته «السنيورة» وروايته «بغلة العرش»، حيث يصل الواقع إلى تخوم الأسطورة، وتصل الأسطورة في الثانية إلى التحقق الواقعي الصرف، أما روايته «الشطار» فإنها غير مسبوقة، لأن الرواية من أولها إلى آخرها «خمسمائة صفحة» يرويها كلب يتعرف القارئ على شخصيته ويعايشه ويتابع رحلته الدرامية بشغف.

والمتأمل فى سيرته الذاتية سيعرف أن حياته كانت مثل حياة أبطال الروايات الكلاسيكية، صبى يترك قريته راحلًا إلى دمنهور فقيرًا، يمتهن مهن المعدمين، من عامل ترحيلة إلى عتال، وحتى بائع سريح وصبى فرارجى، من كفرالشيخ إلى دمنهور إلى الإسكندرية وصولًا إلى القاهرة ظل لأيام لا يجد فيها مكانًا للنوم، إلا أنه ورغم كل هذا العذاب استطاع أن ينسج بطاقة مذهلة لأروع أعماله الأدبية، فأصبح رائدًا فى كتابة الرواية العربية. 

ولد خيرى شلبى فى ٣١ يناير ١٩٣٨، لأب كان يعمل ناظرًا بالخاصة الخديوية، وكان لديه ولع مدهش بالشعر والموسيقى، كان ميسور الحال، لكن فقد الوالد الوظيفة وتدهورت أحوال الأسرة، وفى ظل قسوة الحياة على خيرى شلبى تعرف على مجموعة من المثقفين، وبدأ ممارسة الشعر وكتابة القصائد، إلا أن الأديب المتمرس عبدالمعطى المسيرى نصحه بهجر الشعر، وأن يكتب القصة، وبالفعل كتب أولى قصصه وهى «المأساة الخالدة»، ومن هذه اللحظة تجلت موهبته وبدأ مشواره الأدبى الكبير، وقدم لنا أهم الأعمال مثل: «السنيورة»، «صاحب السعادة اللص»، «الأوباش»، «وكالة عطية»، «الشطار»، «الوتد».

وفي فترة السبعينيات من القرن الماضي كان خيرى شلبي باحثا مسرحيا، اكتشف من خلال البحث الدؤوب أكثر من مائتي مسرحية مطبوعة في القرن التاسع عشر وأواسط القرن العشرين، بعضها تم تمثيله على المسرح بفرق شهيرة وقد نشرت أسماء الفرق والممثلين، وبعضها الآخر يدخل في أدب المسرح العصيّ على التنفيذ، وقد أدهشه أن هذه المسرحيات المكتشفة لم يرد لها ذكر في جميع الدراسات التاريخية والنقدية التي عنيت بالتاريخ للمسرح المصري، ومعظمها غير مدرج في «ريبروتوار» الفرقة التي مثلتها، وبعضها الآخر انقرضت الجوقات التي مثلتها.

وقام الباحث بتحقيق هذه المسرحيات في حديث بإذاعة البرنامج الثاني «البرنامج الثقافي حاليا» تحت عنوان «مسرحيات ساقطة القيد» ضمن برنامج كبير كان يقدمه الروائي بهاء طاهر. والجدير بالذكر أن الباحث وضع خطة «حاليا» لتجميع هذه الأحاديث «وهي دراسات بكل معنى الكلمة» في كتاب كبير يحفظ لهذه الأعمال ريادتها.

خيري شلبي هو مكتشف قرار النيابة في كتاب الشعر الجاهلي إذ عثر عليه في إحدى مكتبات درب الجماميز المتخصصة في الكتب القديمة، ولم يكن كتابا بل كراسة محدودة الورق متهرئة ولكنها واضحة وعليها توقيع النائب العام محمد نور الذي حقق مع طه حسين في القضية، وكان المعروف إعلاميا أن طه حسين قد أستتيب لتنتهى القضية، وبظهور هذا القرار النيابي إتضحت القضية واتضح أن النائب العام حفظ القضية لعدم كفاية الأدلة، وكانت أسئلة النائب العام وردود طه حسين عليها شيئا ممتعا وعظيما، كما أن المستوى الثقافي للنائب العام كان رفيعا، كل ذلك حفز الكاتب لتحقيق هذا القرار من الزاوية القانونية وإعادة رصد وقائع القضية وردود أفعالها اجتماعيا وأكاديميا وسياسيا وأدبيا ثم نتج عن ذلك واحد من أهم كتب خيري شلبي وهو: كتاب «محاكمة طه حسين» الذي طبع أكثر من مرة في الهلال وفي الدراسات والنشر ببيروت ودار المستقبل بالقاهرة وكانت أولى الطبعات عام 1969.