كتب الكاتب الصحفي عبد الرازق توفيق، رئيس تحرير جريدة الجمهورية، مقالا بعنوان «تجديد الخطاب النخبوى».. بعموده الثابت “من آن لآخر” وجاء نصه كالتالي:-
نحن فى حاجة إلى «نُخبة جديدة» تليق بالجمهورية الجديدة.. وتستطيع التعاطى مع مبادئها وقيمها وإنجازاتها..
نخبة طاهرة نقية وطنية، غير مرتعشة أو مرتجفة فيما يتعلق بالوطن، تتمتع بالنزاهة وحسن السمعة.. لم تأت من الماضى ولن تفلح إعادة تدويرها، لتتواجد فى الجمهورية الجديدة.
عانينا فى العقود الماضية من نخبة مغيبة منفصلة عن الواقع، تمارس التنظير لا التفكير، أطلقت العنان للرومانسية السياسية ودغدغة مشاعر الناس، والعبث بعقولهم وعواطفهم.. والعيش فى مستنقع الشعارات والمتاجرات.. غارقة فى الأوهام، تتحدث بلسانين.. أحدهما فى العلن للجماهير والبسطاء.. والآخر فى تعاطيها مع الحياة.. تراها تزعم الدفاع عن حقوق الفقراء والضعفاء، وفى نفس الوقت تعيش حياة الترف والبذخ.. تتشدق بالمبادئ والحريات، وهى تمارس أبشع أنواع البراجماتية العفنة.. وتقول ما تشاء من أفكار بالية تصل إلى حد التشويه.. وتدَّعى عدم وجود مساحات من الحرية.. فلا تتعجب من أن ترى أحدهم ضيفاً على شاشات التليفزيون يقول ما يريد ودون سقف، أو تدخل.. ينتقد ويُنَظِّر.. ويمارس علينا الدجل الفكري.. ثم يفاجئك بأنه يطالب بالمزيد من مساحات الحرية فى الوقت الذى يكتب فيه بلا رقيب و«يتوت» بلا حدود أو سقف.. تلك هى ملامح النخبة المغيبة التى تعانى انفصاماً وانفصالاً عن الواقع وازدواجية مغيبة.. لم تضف للمجتمع أو الوطن أى جديد.. ولم تلعب سوى على أوتار الأفكار المهترئة.. بعيداً عن سياسات الواقع والسعى لتغيير حياة الناس إلى الأفضل.
إن دخول مصر عصر «الجمهورية الجديدة» يتطلب نخباً جديدة.. وأيضاً يتحتم تجديد الخطاب النخبوى الذى كان أقرب إلى الهراء وأضغاث الأحلام.. والنفعية والأنانية والانتهازية وتضخم الذات والنرجسية والتعالى والاستعلاء على المجتمع.
إننا أمام نخبة جاءت من جذور الماضى بكل كوارثه وقبحه وتجذر الفساد فيه مريضة «بالتلوث» فى القول والفعل والاستجداء والجلوس على موائد «اللئام».. أو المائدة التى تحقق الأهداف الرخيصة.. ويتبدل الخطاب حسب المنافع والمكاسب.
«الجمهورية الجديدة» فى حاجة شديدة إلى نخب تستطيع أن تمثلها وتجسد حالة الشرف والطهر والواقعية والنزاهة والشفافية والمصداقية بعيداً عن أحاديث الوجوه المقنعة التى عانينا منها من كثرة المزايدات على الوطن.. وتبدل الاتجاهات والعقائد والآراء طبقاً للحالة النفعية الرخيصة.
وهنا أطرح سؤالاً: ماذا قدمت النُخب المصرية خلال العقود الماضية.. وما هو مشروعها؟.. وماذا أضافت للواقع المصرى سوى التنظير واللهث وراء المصالح والمكاسب الشخصية مقابل التنطع وتزييف الوعي.. وتخدير الناس ودغدغة مشاعرهم وعواطفهم وتغييب عقولهم.. فى «تابوهات» معلبة أفقدت قوة مصر الناعمة والمتوهجة تأثيرها بفعل الازدواجية والسطحية والانتهازية.
دعونى أطرح مثالاً ونموذجاً أو أكثر، كيف لمن يدعى أنه «ناصري».. ويدافع عن عبدالناصر وأفكاره وتاريخه وهو الزعيم الخالد.. ونراه فى حضن الإخوان المجرمين ألد أعداء عبدالناصر.. بل ويدافع عنهم ويتضامن معهم ويسير فى ركاب السمع والطاعة.. ويترشح على قوائمهم ويساندهم.. ويقذف مؤسسات الدولة الوطنية بالباطل، وهذا يعتبر خيانة لمبادئ عبدالناصر وثوابته وتاريخه.. فهل هذه نخبة نثق فيها؟!.. إنها نخبة بلا مبادئ وبلا قيم أو ثوابت.. متهمة ومدانة بالبحث عن المنافع والمكاسب الرخيصة أينما وجدت سواء فى حضن «أفاعى الإخوان».. أو فى حضن «عقارب التمويل الأجنبي».. بحثاً عن اليورو والدولار.
نموذج آخر تفنن وبرع فى خداع الناس والمتاجرة بهم.. تراه يلبس الثياب الفاخرة أحدث الماركات، وأحدث السيارات، ويسكن فى القصور والفيلات، ولديه أرصدة هائلة فى البنوك.. وعندما يذهب للجماهير فى دائرته الانتخابية يرتدى ثياب الفقراء وبدل الغلابة ويأكل معهم رغم أنه تناول أفخر الطعام فى «قصره».. بل ويطلب الفول والطعمية.
نموذج ثالث من النخب القديمة التى مازالت تطل برأسها على الشاشات، وفى المشهد المصرى تمارس علينا الدجل والشعوذة الفكرية وليس لديها أى انتماء سوى للقديم.. بعض هذه النخب أخذت على عاتقها مهاجمة مشروع البناء المصرى وفى القلب منه العاصمة الإدارية الجديدة.. وصدعتنا بفقه الأولويات الذى لا يعلمون عنه شيئاً ومع النجاح العظيم والمبهر للمشروع الوطنى للبناء والتقدم..
وإشادة العالم بالعاصمة الإدارية وكونها نموذجاً ملهماً فى العالم للمدن العصرية والذكية تحقق عشرات المكاسب والأهداف ولم تكلف خزينة الدولة مليماً واحداً.. كنموذج للفكر الخلاق وخارج الصندوق.. توارت هذه الوجوه.. وخرست عن الكلام والمزايدات.. ولم تبرح مكانها لتعديل آرائها وأفكارها لتشيد بالإنجاز المصري.
الحقيقة ونحن ندخل إلى الجمهورية الجديدة فى نفس الوقت نحن فى أشد الحاجة إلى تجديد الخطاب «النخبوى» الذى يتسق ظاهره مع باطنه.. ويحظى بالعمق الوطنى شديد الولاء والانتماء للوطن.. وشديد الواقعية والإحساس بتحديات وهموم الوطن وأيضاً آماله وطموحاته.. خطاب لا يفكر أبداً فى المساس بالوطن.. ويختلف من أجله ولا يختلف عليه، لا يبحث عن مغانم ومكاسب ومنافع على حساب الوطن.. لا يقبل إهانته أو التجرؤ على المساس بأمنه.
إن أخطر ظاهرة تواجهنا هى محاولة احتواء واحتضان «نخب الماضي» وإعادة تدويرها من جديد.. فلن يفلح معها أى علاج.. ولن تقنعها أى عروض حتى لو كانت سخية.. فهى تربت ونشأت على غريزة واحدة.. ووتر واحد هو «المتاجرة والمزايدة».. طالها فساد وقبح الماضى، وتجذر فيها ونال منها مثل الفساد والنرجسية والعمى الذى يصيب القلوب.. والحماقة التى لم تجد من يداويها.. جاهزة للبيع فى أى لحظة.. إن لم تطعمها وتصيبها بالتخمة فلا تأمن مكرها ولدغتها.. وأقول خيانتها لتبحث عن مائدة أخرى حتى وإن كانت «موائد اللئام».. فلن يتغير فيها شىء.. «فمن شب على شىء شاب عليه».. فيجب أن تظل يدك فى فمها.. لأن طعامها المال والمكاسب مثل بنزين ووقود السيارة.. إذا نفد فلن تتحرك.
فى اعتقادى أن اجتماع «الفيرمونت» هل تتذكرونه، الذى جمع بين أفاعى الإخوان وعقارب النخب على مائدة واحدة.. وكلاهما يبحث عن أهداف خبيثة.. ومنافع رخيصة مثل الراقصين على جثث الأوطان.
ان اعادة تدوير النخب البالية فى المجتمع خطر كبير ولابد ان نبنى نخباً جديدة طاهرة نقية واقعية اختيارها الأول والأخير هو الوطن مهما كانت المغريات.
نريد نخبة جديدة.. وخطاباً نخبوياً جديداً يليق بالجمهورية الجديدة.. هذه النخب الجديدة لاتعانى الازدواجية والانفصام والنرجسية.
نخبة ليست متعالية او مدعية بل متعلمة ومواكبة للعلم والثقافة الحقيقية المرتكزة على مبادئ وقيم وطنية أصيلة.. تجىء من رحم وصلب المجتمع المصرى وهويته.
ان استدعاء النخب القديمة المفلسة واعادة تدويرها واستخدامها مهما استعانت بوسائل الاغراء الحديثة لن يخدم الجمهورية الجديدة.. فهى نخب متفذلكة غائبة عن الوعى والواقع.. تعشق التنظير والأخطر ولاؤها للقديم.. ولا تريد ان تحلق بشىء فى سماء جمهورية جديدة ملهمة ومبدعة أسست على مبادئ الطهر والصدق والواقعية والابداعية والنقاء والوطنية.. وتحدى التحدى.
نريد نخبة ليست مستكينة تقف وتتخندق فى صفوف المحايدين بل نريدها حاسمة لأمرها.. اختيارها الأول والاخير هو الوطن ولا نريدها نخبة «ملوثة» السمعة.. التاريخ لن يحذف تصابيها أو تدينها وابتزازها وفسادها.. فلا يمكن ان ينسى لها المواطن ماضيها وبالتالى فهى فاقدة للاقناع سواء لازدواجيتها فى الماضى.. أو لتغيير جلدها فى الحاضر.. فان الفشل مكتوب عليها.. لان الجمهور اصابه الملل ولايحترم مثل هذه النماذج المتحولة والمتلونة والمتدنية والملوثة.
تجديد الخطاب النخبوى الذى اطالب به يتضمن تغيير الشخوص والمضمون ايضا فلا يمكن ان تتحدث للناس بلغة لا يعرفونها.. بل نريد نخبة تعبر عن أحلام وآمال الناس وعن الواقع الجديد فى مصر وما يشهده من انجازات ونجاحات ومشروعات غير مسبوقة فى مضمونها وتوقيتها.. ولم نر من يتحدث بحماس عن ملحمة الانقاذ والانجاز المصيرية التى تفوق الانتصار فى حروب كثيرة..
فهذه الدولة التى تدخل الجمهورية الجديدة اقيمت وشيدت على تضحيات عظيمة.. وتحديات عبرها المصريون لم يكن يحلم أحد ان يتجاوز واحدة منها.. وهذه الجمهورية الجديدة التى تشق طريقها الى مقدمة الصفوف فى العالم تحتاج الى نخبة تدرك اللحظة.. والزمن والانجاز والمعجزة والتحديات والتهديدات.
لا نريد نخبة مثل «المسخ».. تعانى من تشوهات داخلية.. وقبح فى ماضيها لننتظر منها خيرا.. لن يحدث على الاطلاق فان مفردات الماضى اصبحت بضاعة بالية.. ومعطيات الحاضر والمستقبل تحتاج خطاباً نخبوياً يحلق فى عنان السماء.
تجديد الخطاب النخبوى يجب ان يرتكز على عناصر صالحة وسوية وصادقة مع الوطن قلباً وقالباً.. تدرك رؤية القيادة السياسية وحتمية الالتفاف حولها.. نريد نخبة لا تتجه الى التنظير بل طرح الحلول والمقترحات والتعاطى الايجابى مع التحديات ومشكلات المجتمع.. تتواكب مع انفتاح العقلية المصرية وقوتها على التحدى.. وصدق نواياها وصلابة ارادتها فى تغيير الواقع الذى نعيشه وتوفير الحياة الكريمة للمصريين.. والقوة والقدرة للوطن.
نريد خطابا «نخبويا» يراهن على بناء الوعى الحقيقى فى مواجهة حروب الزيف والاكاذيب والشائعات ومحاولات ضرب الوطن وإحباط شعبه.. نخبة تستطيع ترسيخ وتدعيم روح التحدى فى المواطن.. وتجعله منشغلا بهموم وتحديات الوطن.. نخبة جل أهدافها أن تجعل الشعب على قلب رجل واحد بعيدا عن المزايدات والمتاجرات والمهاترات.
نريد خطابا «نخبويا» مواكباً لحالة التقدم فى العالم.. وان يحث ويقنع ويأخذ بيد المواطن الى مرحلة الايمان بفضيلة العمل والتعليم والمثابرة..
نريد خطاباً نخبوياً يفاخر بحسن السمعة والسلوك والنضج لا التصابى والرخص.. نريد خطاباً نخبوياً يرسخ جدران الحرية المسئولة التى لا تضر الآخرين.. ولا تمس أمن الوطن.. او الثوابت المجتمعية ومنظومة القيم المصرية.. ولاتميل الى استيراد الثقافات الفاسدة أو غير الملائمة للهوية المصرية.. نريد نخبة مصرية تغرقنا فى الاصالة والهوية المصرية مع مواكبة التقدم.. وان نأخذ من غيرنا ما يتلاءم مع ثقافتنا وقيمنا تأخذ منهم فضائل العمل والتطوير والتحديث وليس ما يخالف عقائدنا وقيمنا.
اننا امام تحدٍ كبير.. هو بناء نخبة مصرية تليق بالجمهورية الجديدة وايضا تجديد الخطاب النخبوى فى مضمونه ومفرداته وجوهره.
لذلك علينا ان نفسح المجال لوجوه جديدة لديها الموهبة والقدرة على الابداع والقيادة طاهرة اليد نظيفة السيرة والسمعة.. وطنية لا أحد يستطيع المزايدة عليها.. لان ذلك أهم ركائز التواصل مع الناس وأحد أسباب نجاح النخب الجديدة فى الإقناع بأفكار ومبادئ الجمهورية الجديدة.
نخبة جديدة قوية البصر والابصار لا تنكر الواقع.. ولا تجحف حق الاخرين وتجيد كتابة التاريخ بصدق وامانة وضمير حى لا ترتجف ولا ترتعش ولا تعرف المواقف الرمادية عندما يتعلق الأمر بالوطن.. تستطيع وبشجاعة ان تعلن ان ما حدث فى مصر على مدار ٧ سنوات هو اعجاز غير مسبوق.. فلا يمكن لاحد مكونات النخب القديمة ان يطل علينا ومازال يقول ان مشروع السد العالى سيظل هو الأعظم والأكبر.. ومشروعات الجمهورية الجديدة تحرق عينه.. وشهادات العالم وهيئاته وموسوعاته تحتفى بمشروعات وانجازات ومؤشرات ومستقبل الجمهورية الجديدة.. لا اقلل من مشروع السد العالى بل أبعث بالتحية للزعيم جمال عبدالناصر ولكننى من أنصار «اعط لكل ذى حق حقه» والامر ليس منافسة أو مناظرة ولكن نريد من النخب ان تتحلى بالموضوعية والتعاطى بعقل منفتح مع ما تشهده مصر من «إنقاذ وإعجاز وإنجاز» هو محل احترام وتقدير واشادة العالم.. وفخر واعتزاز المصريين.
نريد تجديد الخطاب «النخبوى».. لاننا نستطيع بارادة ورؤية الجمهورية الجديدة.. ان نخلق نخبة جديدة قلبا وقالبا مع المشروع الوطنى للبناء والتقدم تتحدث بلسانها وتدافع عن حقوق شعبها.. وتتصدى لكل محاولات الزيف.. نخبة لا تبحث إلا عن مصلحة الوطن وليس همها فخفخة المناصب او العطايا والمصالح الضيقة.
الرئيس عبدالفتاح السيسى علمنا امورا ومبادئ جديدة.. كالبناء والتنمية والصدق والشرف والتجرد.. والوطنية الخالصة.. والاخلاص والانسانية المتدفقة.. والنقاء فى العطاء وإنكار الذات والعدل والمساواة والنزاهة والشفافية والطموح بلا حدود.. والمواجهة بشجاعة.. وعدم إمساك العصا من المنتصف.. وتحمل المسئولية وليس إلقاءها على الآخرين.. والبحث عن مصلحة الوطن وليس المصالح الشخصية الضيقة.
فبقاء الوطن أهم وأعظم من بناء الشعبية هذا ما علمنا إياه الرئيس السيسى ويستحق ان تكون عناوين رئيسية لشكل وجوهر النخبة المصرية ومضموناً حقيقياً للخطاب النخبوى وانكار الذات.