الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. إبراهيم قنديل يكتب: هَدْيُ النبي.. في حب الوطن

صدى البلد

إن حبَّ الناس لأوطانهم، وافتخارهم بها مركوز في فطرتهم، ومن الناس من يقنع بوطنه أشد من قناعته برزقه،ولذلك قال عبد الله بن عباس: لو قنِع الناس بأرزاقهم قناعَتَهم بأوطانهم ما اشتكى عبدٌ الرزق،وقيل: عمَّر الله البُلدان بحب الأوطان، وكان يقال: لولا حب الناس الأوطانَ لخرِبت البُلدان.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب وطنه جداً، حتى قال الذهبي وهو يعددبعضأحبة النبيصلى الله عليه وسلم: كانيحبعائشة،ويحبأباها،ويحبأسامة،ويحبسبطيه،ويحبالحلواءوالعسل،ويحبجبلأحد،ويحبوطنه.
وفي بداية نزول الوحي على النبيصلى الله عليه وسلم بغار حراء، ذهبَ مع زوجتِه خديجة- رضى الله عنها- إلى ورقة بن نوفل، وقصَّ عليه ما حدث معه من أمر نزول جبريل عليه، وورقةُ يفسر له ذلك حتى قال له ورقة: (ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومُك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَو مُخْرِجِيّ هم؟!» قال: نعم، لم يأتِ رجلٌ قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومُك أنصرْك نصراً مؤزراً).
فقوله صلى الله عليه وسلم: «أو مخرجي هم؟»استفهام إنكاري على وجه التفجع والتألم، كأنهصلى الله عليه وسلم استبعد أن يخرجَه قومُه من حرم الله وجوار بيته، وبلدة أبيه إسماعيل من غير سبب؛ فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن منه سبب يقتضي إخراجه، بل كانت منه المحاسن الظاهرةالمقتضية لإكرامه، وإنزاله بأعلى الدرجات.
وحكىأبوهريرةحال النبي صلى الله عليه وسلم عند خروجه من مكة فقال: وقفالنبيصلى الله عليه وسلمعلىالْحَزْوَرَةِ،فقال: «علمتُأنكِخيرأرضالله،وأحبالأرضإلىالله،ولولاأنأهلكِأخرجونيمنكِماخرجتُ» [أخرجه أحمد في مسنده].
وعنعائشة– رضي الله عليه وسلم-قالت: لماقدمرسولاللهصلى الله عليهوسلم المدينةوَعِكَأبوبكر،وبلال، وكانبلالإذاأقلععنهالحمى يقول: اللهمالعنشيبةَبنَربيعة،وعتبةَبنَربيعة،وأميةَبنَخلف،كماأخرجونامنأرضناإلىأرضالوباء، ثمقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهمحببإليناالمدينةكحبنامكةأوأشد،اللهمباركلنافيصاعناوفيمدنا،وصححهالنا،وانقلحماهاإلىالجُحْفَةِ»قالت: وقدِمناالمدينةوهيأوبأأرضالله[أخرجه البخاري في صحيحه].
فالنبي صلى الله عليه وسلمعَلِمَ حبَّ أصحابه لوطنهم مكة، فكان يسأل الله كثيراً أن يرزقه هو وأصحابه حبَّ المدينة حباً يفوق حبَّهم لمكة، لِمَا لها من الفضل في احتضانها للإسلام ودعوته، وحمايتها ونصرتها للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فعن عائشةرضي الله عنهاقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم حبِّبْ إلينا المدينةَ كحُبِّنا مكةَ أو أشدَّ».
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة»[أخرجه البخاري في صحيحه].
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى أن بناء الأوطان يكون بالعمل والإنتاجفعن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "على كل مسلم صدقة. قيل: أرأيت إن لم يجد؟ قال: يعتمل بيده، فينفع نفسه ويتصدق، قال: قيل: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف. قال: قيل له: أرأيت إن لم يستطع؟ قال: يأمر بالمعروف أو الخير، قال: أرأيت إن لم يفعل؟ قال: يمسك عن الشر فإنها صدقة"[أخرجه مسلم في صحيحه].
فالنبيصلى الله عليه وسلم لم يدَع أصحابه يركنون إلى التكاسل وترك العمل، فقال: "يعتمل بيده".
وحث النبي صلى الله عليه وسلم على الجد والاجتهاد في العمل والإنتاج، فذكر لهم أن أفضل ما يأكله المسلم من عمله يده، وأن هذا هو منهج الأنبياء قبله، فعن المقدام عن النبيصلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما أكل أحدٌ طعاماً قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"[أخرجه البخاري في صحيحه].
ومن هذا نعلم أن هَدْي النبي صلى الله عليه وسلم في بناء الأوطان وتقدّمها ورقيّها هو الأكمل، فالإسلام يحث أبناءه دائماً على عمارة الأوطان والدفاع عنها، وعدم الإفساد والتخريب فيها.