الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نورا عبد اللطيف تكتب: عَدلُ المصطفَى صلى الله عليه وسلم

صدى البلد


ما أحوجنا اليوم إلى أن نلتفَّ حول خُلق العدل، وأن نستقي منه كلَّ معاني الخير، والوئام، بما يفسح المجال للحياة أن تستمرَ وتتقدمَ بالشكل الطبيعيّ دون أدنى عائق
فالعدل خُلق إسلامي رفيع، يأمرنا الله تعالى بالتحلِّي به  قال تعالى: "اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى" (المائدة / 8)، ولنا في رسول الله أسوة حسنة... 
فلقد عدل النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرضا والغضب، ولم يظلِم يومًا أحدًا، 
بل إن العدلَ هو خُلقُ النبيّ من قبل بعثته فعدله -صلى الله عليه وسلم- شَمَلَ جُلّ نواحي حياته (عدله في حق ربه، عدله مع أصحابه، عدله مع زوجاته  حتى مع أعدائه).
فعدَله في حق ربه
فقد قام بمقام العبودية لله كما ينبغي، يقوم على خدمةِ أهلِه حتى إذا جاءَ وقتُ الصلاةِ مضَى وكأنَّه لا يعرفهم، وهو القائل صلى الله عليه وسلم "وجُعِلَتْ قُرَّة عَينِي في الصَّلاة" [مسند أحمد]
و كان صلى الله عليه وسلم يختلي بربِّه في ظلماتِ الليالي، مناجيًا ربَّه، باكيًا من خشيته، منتصبًا قائمًا حتى تتورَّم قدماه؛ ويردُّ على السيدة عائشة قائلًا: "أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا" [صحيح البخاري] صلوات ربي وسلامه عليه
وأما عن عدله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه (الناس)

فقد أمره الله تعالى بالعدل بين الناس؛ كما قال جل جلاله  "وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ" [الشورى: 15]، فبالعدل تصلُح أمور الناس، وتستقيم أمورهم، وتَطيب نفوسهم، وتزول ضغائنهم.


وعن عدله صلى الله عليه وسلم مع أهله (زوجاته)
وهنا يحضرنا ما يرويه لنا سيدنا أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتْ التي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهَا يَدَ الْخَادِمِ، فَسَقَطَتْ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: غَارَتْ أُمُّكُمْ ثُمَّ حَبَسَ الْخَادِمَ، حَتَّى أُتِىَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ التي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى التي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ الْمَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ" [صحيح البخاري]..  صلوات ربي وسلامه عليك يا أعدل خلق الله.

عدله صلى الله عليه وسلم مع أعدائه
فقد وصّى النبيُّ بالمعاهدينَ في بلادِ المسلمينَ من اليهودِ والنصَارى، وحذَّر من ظُلمِهم فقال صلى الله عليه وسلم: "أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، وهو القائل: "أَلاَ وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ وَإِنْ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا" [سنن الترمذي]
وفي عامِ الفتحِ دخلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مكةَ تعلُوهُ السكينة، عزيزًا منتصرًا، دخل صلوات الله وسلامه عليه المسجد الحرام، ثم أخذ مفتاحَ الكعبةِ من عثمان بن طلحة ثم (جلَسَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في المسجدِ، فقام إليه عليُّ بنُ أبي طالبٍ ومِفتاحُ الكعبةِ في يدِه، فقال: يا رسولَ اللهِ، اجمَعْ لنا الحِجابةَ مع السِّقايةِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أين عُثمانُ بنُ طَلْحةَ؟ فدُعِيَ له، فقال له: هاكَ مِفْتاحُكَ يا عُثمانُ، اليومُ يومُ وفاءٍ وبِرٍّ).
لقد عدل النبي صلى الله علية وسلم في جميع أموره، حتى في قضائه، فمِن عدل النبي صلى الله عليه وسلم في القضاء: ما روته لنا أم المؤمنين السيدة أُمِّ سَلَمَة عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ" [صحيح البخاري]

لقد علَّمَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- العدلَ، فعلَّمنا أن نتقي الله ونعدل بين أولادنا، وألا نخصَّ أحدُ الأبناء بعطيّةٍ دون آخر؛ لأن هذا من الظلم والجُور، وألا نحرم النساء والضعفاء من الميراث الذي هو حقُّ الله لهم، وعلَّمنا أن من قضى بين الناس لا بد أن يعدِل، وتوعَّد مَن ظلَم الناس وأكَل حقوقهم، واستباح دماءهم، وعلَّمنا رسول الله أن نعدِل بين النساء، أما المودة القلبية، فهذا لا يَملِكه أحدٌ، وعلَّمنا أن نتحلل من المظالم قبل أن يأتي يوم لا مردَّ له من الله.
ولقد أمرنا الله تعالى بالاقتداءِ برسولِه -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء والمرسلين، يقول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].