الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

محمود بكري يكتب : معركة الوعي (9)

محمود بكري
محمود بكري

 في البدء.. لابد من القول إن المعركة التي قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يخوضها لبناء الوعي لن تكون معركته وحده ، فهي معركتنا جميعًا ، أو هكذا يجب أن تكون .. ومن المؤكد أن هذه المعركة لن تكون سهلة ، ومن أين لها أن تكون كذلك؟ ، وهي تسعى لأن تضع حدًا لفوضوية الأفكار وتشويه الحقائق ونشر الشائعات والأكاذيب، ومن المعروف أن تلك الفوضوية كانت هدفًا وسلاحًا أساسيًا في أيدي الجماعات الإرهابية والمتطرفة لتشويه الحقائق والتقليل من حجم الإنجازات التي تمت على أرض الواقع، وبث الأفكار الشاذة والمتطرفة في عقول شبابنا .

 

  لا تتوقعوا أبدًا من أولئك الذين كانوا يديرون حرب الأفكار والعقول أن يرفعوا الراية البيضاء عند إطلاق أول رصاصة في هذه المعركة ، بل عليكم أن تتوقعوا منهم "تضحيات جسيمة" و"شائعات مغرضة" . إنهم قوم عُرفوا بالخيانة والغدر وسفك الدماء وتخريب الأوطان ، ولذا فإنه من الطبيعي جدًا أن يدافعوا حتى آخر رمق عن أهدافهم الدنيئة ومخططاتهم التخريبية .

 

  وفي نفس الوقت ، علينا أن ندرك أيضًا ، أن أولى الخطوات المطلوبة لخوض هذه المعركة ، وإعادة بناء الوعي بمفهومه الشامل ، هو أن نعترف بالحقائق مهما كانت مريرة ، لأن ذلك هو المدخل الطبيعي والوحيد لحسن التشخيص ودقته ، وهذا أول الدواء، يلي ذلك ضرورة اعترافنا بأننا ركزنا في السنوات الأخيرة على توفير الأمن والأمان ومكافحة الإرهاب ، وتحسين البنية التحتية ، وإزالة المناطق الخطرة ، وبناء مجتمعات سكنية حضارية .. الخ ، ولكننا أهملنا بناء الإنسان المعرفي والفكري والوجداني.


  فالإنسان هو الذي يُشكل أساس التطور والتقدم لأي مجتمع ، فكم من دول ليس لديها ثروات طبيعية ولكنها في مقدمة الدول لأنها اهتمت ببناء الإنسان على أساس علمي وأخلاقي .. ولذا فإننا في أمس الحاجة إلى بناء الإنسان فكريًا واجتماعيا وأخلاقيًا ، فهذا هو الأساس للتقدم والحفاظ على مكتسبات التنمية ، فالإنسان باني الحضارة يمكن أن يتحول إلى معول هدم وتخريب إذا ما دمرت أفكاره وقيمه وأخلاقه ، وأصبح عبئًا على الدولة .
  
لقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على هذا الأمر ، منذ أكثر من ثلاث سنوات ، وتحديدًا في مؤتمر الشباب الوطني بجامعة القاهرة ، حيث قال " إن تحدي بناء الإنسان يعتبر تحدي الإنسانية كلها على مر العصور" ، مشددًا على الحاجة لتحرك فاعل لإعادة الشخصية المصرية ... والحقيقة أن الرئيس بهذه الكلمات ، قد أصاب الهدف ، حيث تراجع مشروع إعادة بناء الإنسان المصري وسط أولويات أخرى مثل مكافحة الإرهاب وتنفيذ المشروعات القومية الكبرى في مختلف المجالات .. وبالتالي نحن في حاجة ماسة وضرورية للبدء في إعادة بناء الإنسان المصري تعليميًا وثقافيًا واجتماعيًا ودينيًا .
  
وفي هذا السياق ، أود أن أشيد بحملة "بناء الوعي" التي أطلقها مؤخرًا الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف ، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة ، والمجلس الأعلى للإعلام ، لمدة 3 أشهر .. حيث أكد الوزير أن الهدف من الحملة هو بناء الإنسان ، قائلًا "لا يبنى الإنسان بدون وعي ، خاصة في مواجهة الأفكار المتطرفة ".


  إلا أنني أود التأكيد أيضًا ، على أن عملية إعادة بناء الإنسان المصري ، تحتاج منظومة تتضافر فيها جهود مجموعة من المؤسسات الرسمية والمجتمعية ، والبداية من خلال المؤسسات التي يقع على عاتقها تشكيل وجدان وعقلية ومعرفة الشخصية المصرية ، وهي مؤسسات الإعلام والثقافة بكل وسائلها المقروءة والمسموعة والمرئية ، والمؤسسات التربوية والتعليمية والأكاديمية ، والمؤسسات الدينية ، إلى جانب مسئولية الأسرة المشرفة على الطفل منذ نشأته .


  وهذه المؤسسات الثلاث في حاجة إلى تطوير أدواتها وإعادة صياغة أهدافها ، لأنهم المصدر المرسل للرسائل الإصلاحية للإنسان المصري ، فيجب عمل برامج تدريبية للقائمين على تلك المؤسسات المعنية ، كما يجب وجود آلية للتنسيق والتعاون بين الجهات المختلفة للعمل على منظومة موحدة ومتكاملة ، تكون واضحة المعالم والأهداف ، من أجل الإصلاح وإعادة البناء.
  
وختامًا ، علينا أن ندرك أن النهضة الحقيقية لن تكتمل دون إعادة بناء الإنسان المصري، وإعادة تشكيل أفكاره ووجدانه وطريقته في التفكير والسلوك ، وتعزيز هويته الوطنية .. فالنهضة تقوم على البشر في المقام الأول ، وبالتالي فنحن في حاجة ضرورية لتحرك قوي وفاعل ، محدد الأهداف والمعالم ، لبناء الشخصية المصرية وإعادة بناء الإنسان المصري بما يليق بمصر وحضارتها ، وما تشهده من إنجازات ملموسة وحقيقية في عهد الرئيس السيسي.