الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

بيت العائلة المصرية: عشر لآلئ تزين سماء الوطن

طارق منصور
طارق منصور

لم يكن ختام العام 2010 إلا ليلة قاتمة، زحف فيه الغيم على سماء الوطن، حتى كاد أن يحجب الشمس عن سمائه، لكنني آمنت دومًا أن النور يأتي ليطرد الظلام، وأن الغيم مقدمة للمطر الذي يرسله الله عبر سحب قطعت آلاف الأميال لتُحيي-بأمره تعالى-الأرض الميتة، والنسيم دومًا نسمّه بالعليل لقدرته على شفاء الصدور، فهل هناك نسيم رأيناه يومًا من الأيام يصيب القوم بأذى؟.

رغم قتامة العام، وغيم السماء، هب نسيم الأمل على قلوب المصريين جميعًا لينتفضوا ويرفضوا ما جاءت به رياح الغربة والفرقة بين أبنائه بفعل ريح خبيثة عاتية أرسلتها قوى الشيطان على بلادنا فذاك يفجر كنيسة وهذا يكفر قومه ويهدر دماءهم، والكل أصبح في نظر الخوارج مارقين عن الدين وقد وجب القصاص منهم. 

ورغم الجهود التي بذلتها المؤسسات الشرعية آنذاك فإن قوى الظلام كانت أكثر شراسة وتغلغلاً في عقول البسطاء، وهو ما كشفته أحداث العامين التاليين 2011-2012، حتى بانت الحقيقة لذوي الألباب فاكتشفوا الخديعة الكبرى كيف ينزلق الوطن نحو هاوية الفتنة، والدفع بأبنائه لحمل السلاح ضد بعضهم البعض.

ولّى العام 2010 بسواده وقد عانى إخوتنا المسيحيون مما أصابهم بفجيعة ضرب كنيسة القديسين بالإسكندرية عشية الكريسماس، وراح ضحيتها من راح واحتسب شهيدًا عند الله. وأقبل العام 2011 يحمل حكمة السنين على أيدي عقلاء القوم؛ فقد أعلن الفرسان أنه لا سبيل لنجاة الوطن إلا بالاتحاد-رغم المرارة والألم-فجاء قرار إنشاء بيت العائلة المصرية، ليصدره رئيس مجلس الوزراء وتصبح هيئة رسمية، تلبية لما اتفق عليه فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر الشريف مع قداسة بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية. 

لتبدأ عجلة العمل في الدوران عبر رحلة مليئة بالأحداث والمؤتمرات والندوات والمراجعات ليس لكل طرف على حدة، بل للطرفين معًا...فجاء في العام 2017 مؤتمر مهم حمل اسم "معًا ضد الإرهاب"، وجاء بعده مؤتمر مهم أيضًا بعنوان "التعايش السلمي في مصر" بالتعاون مع جامعة عين شمس والمركز الثقافي الأرثوذكسي، ثم جاءت الشراكة مع محافظة القاهرة في العام 2018 بالمشاركة في مؤتمر دام أسبوعًا تحت عنوان "معًا من أجل مصر".

عشر سنوات يقف البيت شامخًا يواجه رياحًا عاتية تهب علينا من كل شطاح نطاح يهدف إلى تقويض دعائم الوطن، وتفرقة أبنائه، والتشفي فيهم وهم يتناحرون. تمكن أعضاء البيت وقياداته من المساهمة في نجاة الوطن "بالحكمة والموعظة الحسنة" من منطلقات ثابتة أن الدين لله والوطن للجميع، وأن المشتركات بين الكتاب المقدس والقرآن الكريم جاءت لتوحد البشرية لأجل الخلاص والمحبة ونشر السلام على وجه البسيطة.

أتذكر يومًا دعيت فيه لإلقاء محاضرة عامة بشبين الكوم، حيث وصلت قرابة المغرب إلى مقر المطرانية، حيث أحسنوا وفادتي، فوجدت صلاة المغرب تقام جماعة في باحة الكاتدرائية وجاءني أحد الكهنة متحدثًا: "د. طارق ألن تصلي المغرب جماعة؟ لو لم تكن متوضأ تفضل توضأ بالداخل؟".

إن مثل هذه المشاهد التلقائية تثبت يومًا بعد يوم أن المصريين بفطرتهم لا يعرفون إلا الحب ونبذ الكراهية والعنف، أيًا كانت معتقداتهم. 

لقد حقق بيت العائلة عبر سنوات عشر الكثير والكثير في ملف الوحدة الوطنية برعاية رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، وبجهود مباركة من كل من فضيلة الشيخ أ.د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، وقداسة البابا تواضروس الثاني بطريرك الكرازة المرقسية، بابا الإسكندرية، والمرحومين د. محمود عزب، وأ.د. محمود حمدي زقزوق، ونيافة الأنبا إرميا الأسقف العام، مقرر مساعد بيت العائلة، ومنسقي بيت العائلة وعلى رأسهم أ.د. محمد أبو زيد الأمير، فاستحق أن يشيد بجهوده السيد رئيس الجمهورية في إحدى خطبه، وأن تشيد به السيدة إيرينا بوكوفا، رئيس هيئة اليونسكو السابقة حين زارت مصر منذ عامين. 

واليوم، تتلألأ عشر لآلئ في سماء الوطن، فتحية من القلب لرجال وهبوا أنفسهم لحب مصر.