الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

الشرق الأوسط.. قبلة الصراعات العالمية والحروب على مصادر الطاقة المتنوعة (2-2)

صدى البلد

بدأ الاهتمام بمنطقة شرق المتوسط باعتبارها منطقة غنية ب “النفط والغاز” في أواخر القرن العشرين، ويقدر تقرير لهيئة المسح الجيولوجية الأمريكية عام 2010 وجود 3455 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط في هذه المنطقة، تتراوح قيمتها ما بين 700 مليار دولار و3 تريليونات دولار على حسب أسعار الخام المتغيرة.


وبخلاف الثروة الطبيعية تمثل هذه المنطقة أبرز نقاط عبور البترول والغاز من الشرق الأوسط إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذ إنها تطل على ثلاث قارات.
 

 

الجديد في هذا الخلاف

 
وقعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بينهما مطلع أغسطس 2020، ما يقطع الطريق على الآمال التركية في غاز المتوسط ونفطه، كما يقول الباحث في الشأن السياسي هيثم محمد.

وقد وصف الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، هذه الاتفاقية بـ "عديمة القيمة"، كما أعلنت الخارجية التركية أن الاتفاقية تنتهك الجرف القاري التركي، وبعدها أرسلت تركيا سفنها للتنقيب قرب الجزر اليونانية.
وتعد هذه الاتفاقية بين مصر واليونان، امتدادا لمنتدى شرق البحر الأبيض المتوسط الذي يستنثي تركيا، وقد شُكل هذا المنتدى ومقره القاهرة، في يناير 2019، ليضم وزراء الطاقة في دول شرق المتوسط: مصر وفلسطين والأردن وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا.

ومنذ تأسيسه أبدى المنتدى ترحيبه بمشروعين: الأول، التصدير المشترك للغاز المسال المصري والقبرصي والإسرائيلي من محطات تسييل الغاز المصرية للسوق الأوروبيةْ وكذلك تشييد خط أنابيب بحري للغاز يبدأ من حيفا فقبرص واليونان حتى إيطاليا مستقبلاً، ودعمت السوق الأوروبية دراسات هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته نحو سبعة مليارات دولار.
وفيما يبدو ردا على استثناء تركيا، بحسب الباحث في الشأن السياسي هيثم محمد، وقعت تركيا وحكومة الوفاق الليبية - المعترف بها دوليا- في نوفمبر 2019، اتفاقاً يؤسس لمنطقة اقتصادية تمتد من الساحل الجنوبي لتركيا حتى شمال شرق ليبيا، وتقول مصر إن هذا الاتفاق غير قانوني، كما اعترضت اليونان عليه إذ لم يأخذ في الاعتبار وقوع جزيرة كريت اليونانية في المنطقة.
بالنظر لهذه التطورات، كما يقول الدكتور هيثم محمد، تتلخص المنافسة على الغاز والنفط فى شرق المتوسط بين تكتلين: الأول يضم إسرائيل مع الدول العربية وقبرص واليونان، ويفرض سيطرته على ثلاثة حقول مركزية، والثاني والحديث نسبياً يضم تركيا مع ليبيا، ويبدو أن التكتل الأول يمضي بخطوات أسرع لقطع طريق التكتل الثاني.

 

الأطراف الفاعلة في المعادلة

 
تدير عمليات التنقيب في شرق المتوسط شركات إيطالية وفرنسية وأمريكية وروسية، وهذا ما يضع دول هذه الشركات داخل دائرة التنافس الاقتصادي على الآبار المكتشفة.

ويسعى الاتحاد الأوروبي كذلك إلى تعزيز أمن الطاقة عبر تنويع مصادر الواردات وتنويع طرق التوريد، إذ يُسهم غاز شرق المتوسط في تخفيف الاعتماد شبه الكلي لدول شرق وجنوب أوروبا على روسيا، ولهذا يحرص الاتحاد على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من المنطقة، كما يهتم الاتحاد الأوروبي بمصالح الدول الأعضاء كقبرص واليونان.
وموسكو أيضا حاضرة في هذا الملف من خلال شركات التنقيب في حالة لبنان، وتقديم التمويل المالي لقبرص واليونان، والوجود العسكري والاتفاقات الثنائية مع سوريا.
 

أهمية إعلان تركيا عن أكبر اكتشاف للغاز

 
تشكل تركيا نقطة عبور لنفط وغاز روسيا وكازاخستان وأذربيجان والعراق وإيران إلى الأسواق الأوروبية، إلا أنها تفتقد الاحتياطات البترولية وهي بحاجة إلى زيادة وارداتها، نظراً لضخامة وتطور صناعاتها، الأمر الذي يجعلها فى حاجة ملحة لاكتشافات غازية ونفطية.

وفى ظل التوترات في شرق المتوسط، أعلن أردوغان عن اكتشاف حقل ضخم للغاز في البحر الأسود، هو الأكبر من نوعه في تاريخ البلاد، ويحتوي على 320 مليار متر مكعب من الغاز.
وبافتراض صحة هذا الكشف، ستتغير بشكل طفيف قواعد المعادلة فى شرق المتوسط، إذ يطمئن هذا الكشف أنقرة أن لديها موارد طبيعية بعيدة عن منطقة شرق المتوسط، تلبي الطلب المحلي وتعطي دفعة لليرة التي انهارت مؤخرًا، لكنه من الصعب التحقق من صحة هذا الكشف لأنه تم من قبل شركة النفط الوطنية التركية TPAO.

ورغم ذلك، من المتوقع أن يواصل أردوغان التعامل بالعدوانية نفسها مع دول شرق المتوسط، لأنه يريد مزيدا من مصادر الطاقة لتحقيق مآربه السياسية كزعيم للسنة في العالم - وفقا لمزاعمه - في ظل غياب قيادات قوية في القاهرة والرياض، ولتحقيق ذلك يدخل أردوغان في تحالفات مع دول إسلامية كماليزيا وباكستان ويستغل الدول "المتعثرة" في شمال إفريقيا - بدءاً من ليبيا، ثم التحرك تدريجياً نحو تونس.
 

متى تنتهي الخلافات في شرق المتوسط؟

 
يتميز الصراع في شرق المتوسط بتداخل أبعاده، إلى جانب الخلاف التركي مع اليونان وقبرص، هناك 4 ملفات ساخنة أخرى.

أولا، يلعب الصراع العربي- الاسرائيلي دورا في تعطيل الاستفادة من غاز المتوسط ونفطه، حيث اكتشفت شركة «بريتش غاز» في عام 2000 حقل «غزة مارين» في بحر غزة، باحتياطي نحو 1.4 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهى كمية تلبي حاجات قطاع غزة والضفة الغربية، ورغم مرور عقدين من الزمن، لا يزال الحقل دون تطوير بسبب رفض إسرائيل، إذ تحتكر تزويد الضفة وغزة بالوقود مع إتاحة نافذة صغيرة لمصر للمساهمة.
ثانيا، النزاع على الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، إذ تّدعى إسرائيل أحقيتها في التنقيب في المياه بالقرب من صور اللبنانية، بينما اتفق لبنان مع عدة شركات نفطية ايطالية وفرنسية وروسية للتنقيب في هذه المنطقة، على أن يبدأ الحفر قبل نهاية 2020، وتعطل بسبب كورونا، وتحاول الولايات المتحدة الوساطة في هذا النزاع دون جدوى.
ثالثا، الخلاف بين تركيا ومصر، في ظل اتهام القاهرة لأنقرة بدعم جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في مصر، واعتماد مصر على الغاز يدفع باتجاه الاستكشاف غرب البحر المتوسط قرب المياه الليبية، وستتأثر هذه المحاولات سلباً بالاتفاق التركي الليبي، ويمكن أن تتسبب فى خلافات أوسع بين القاهرة وأنقرة، خاصة في ظل رغبة أنقرة فى توسيع نفوذها في شرق المتوسط.
أما المشكلة الرابعة، فتكمن في الصراع في سوريا، الذي يعوق عمليات التنقيب للاستفادة من الغاز القابع في مياهها.
 
 

الحروب على مصادر الطاقة بالشرق الأوسط

نظرا لتنوع مصادر الطاقة في دول الشرق الأوسط والخليج العربي، أدي ذلك إلى طمع العديد من القوى في العالم فرادى أو جماعات إلى السعي للحصول على النصيب الأكبر من كعكة الطاقة، وهو ما يفسر الحروب والنزاعات المستمرة في تلك المنطقة.
 

داعش خطر على قطاع النفط الليبي

 

 عندما هاجم مسلحون تابعون لتنظيم داعش بوابة خارجية لحراسة مرفأ السدر النفطي الليبي منذ سنوات قليلة، أرسلوا بعضهم لقتل الحراس قبل محاولة تفجير سيارة ملغومة في محاولة لإحداث ثغرة في دفاعات الميناء، وفشل الهجوم في الاقتراب أكثر من 1.6 كيلومتر من الميناء، أحد الموانيء النفطية الرئيسية في ليبيا لكنه أظهر نية التنظيم التوسع خارج قاعدته في مدينة سرت، واستهداف البنية التحتية لقطاع النفط، وبعد أربع سنوات من سقوط معمر القذافي أصبحت ليبيا محور صراع بين حكومتين متنافستين تدعم كل منهما فصائل مسلحة، الأمر الذي خلق فراغا سياسيا سمح للتنظيم بأن يكون له موطيء قدم في شمال أفريقيا.

ولم يكن هذا الهجوم الأول من جانب داعش على قطاع النفط الليبي، لكن صناعة النفط في ليبيا عضو منظمة أوبك تعاني بالفعل من آثار الصراع والاحتجاجات وانخفض الانتاج لأقل من نصف المستوى الذي كان عليه عام 2011، وهو 1.6 مليون برميل يوميا، وفي العراق وسوريا حيث استولى التنظيم على مساحات كبيرة من الارض استطاع أن يحقق ايرادات من حقول النفط.
ويقدر خبراء الارهاب أن دخل التنظيم بلغ 2.9 مليار دولار سنويا، شكل النفط والغاز جانبا كبيرا منه، لكن تنظيم داعش ركز وقتها على ترسيخ أقدامه في ليبيا، من خلال  التعايش مع الاسلاميين المحليين، لكنه واجه فصائل مسلحة مناوئة لها صلات محلية قوية، وربما منعت تلك المقاومة وهيكل صناعة الطاقة الليبية ونظام التصدير التنظيم من السيطرة على أصول الصناعة النفطية وايراداتها.
 

الكويت تحتج على سعي ايران لتطوير حقل نفطي

 
من جهتها، تحتج الكويت بشكل مستمر على سعي طهران تطوير حقل نفطي في الخليج، موضع نزاع بين البلدين، وتاتي خطوة الكويت، اثر قرار من شركة النفط الوطنية الايرانية بان تقترح على المستثمرين تطوير منطقة "قرب حقل نفط الدرة" الكويتي للغاز الطبيعي. 
واكدت مصادر دبلوماسية كويتية، ان ايران تسلمت رسالة احتجاج من وزارة الخارجية الكويتية.

ونقلا عن المتحدث باسم وزارة الخارجية قوله: ان الكويت تقوم باتخاذ كافة الاجراءات الكفيلة بالمحافظة على حقوق دولة الكويت الثابتة، في إطار حرصها على تعزيز علاقاتها على المستويين الاقليمي والدولي، بما يتوافق مع قواعد القانون الدولي، مشددا على ضرورة عدم تغيير الوضع في الحقل النفطي الواقع "في المياه الاقليمية للكويت". ويقع حقل الدرة في المنطقة البحرية المتداخلة التي لم يتم ترسيمها بين الكويت وإيران، ويوجد جزء كبير من هذا الحقل على الحدود البحرية بين الكويت والسعودية، لكن جزءا آخر يقع داخل ايران.

ويعود الخلاف حول حقل الدرة الى الستينات، عندما منحت الامتياز للشركة الانكلو ايرانية للنفط التي اصبحت في وقت لاحق جزءا من بريتش بتروليوم، في حين ان ايران منحت الامتياز لرويال داتش شل بحسب فرانس برس، ويتداخل الامتيازان في الجزء الشمالي من الحقل.
وكان بدء التنقيب الايراني في الدرة في عام 2001 دفع الكويت والسعودية الى اتفاق لترسيم حدودهما البحرية والتخطيط لتطوير المكامن النفطية المشتركة.
 

إسرائيل تسعى لسرقة النفط اللبناني

 في سياق مقارب، كشفت مصادر دبلوماسية لبنانية في وقت سابق، عن  إنه أصبح لدى إسرائيل إمكانية لسرقة النفط اللبناني في البحر المتوسط، بعد اكتشاف حقل إسرائيلي جديد يبعد حوالي اربعة كيلومترات عن الحدود اللبنانية، ووصفت هذا الأمر بأنه "خطير للغاية". 
وقالت المصادر: "اسرائيل اكتشفت حقلا جديدا للغاز أسمته كاريش، يبعد حوالى أربعة كيلومترات عن الحدود اللبنانية، وتحديدا عن البلوك رقم 8 العائد للبنان، وستة كيلومترات عن البلوك رقم 9 والبئر التجريبي، الذي حفرته يبعد حوالي 15 كيلومترا".

وأضافت: "هذا يعني نظريا انه بات لدى إسرائيل الامكانية عن هذا البعد للوصول الى النفط اللبناني، وهذا امر خطير وجديد"، موضحة: "لا نريد ان نقول ان هناك كارثة قد وقعت ولكن اصبح هناك امكانية تقنية قائمة، إسرائيل اذا بدأت الانتاج بهذا الحقل فيمكنها الوصول للنفط اللبناني". وتنامى الاهتمام بالتنقيب عن النفط والغاز قبالة سواحل لبنان منذ اكتشاف حقلين للغاز الطبيعي قبالة سواحل إسرائيل على الحدود البحرية مع جنوب لبنان، وتؤكد الحكومة اللبنانية، انها اكتشفت مكامن تحتوي على كميات واعدة من الغاز الطبيعي في قاع البحر وفقا لمسوح أجريت في 2006 و2007.

 

التفجيرات المستمرة لانابيب نقل الغاز من مصر

 
شهدت مصر خلال السنوات التالية لأحداث يناير 2011، عدة تفجيرات لانبوب الغاز الذي يربط بين مصر والاردن، في شبه جزيرة سيناء، ما ادى الى انقطاع امدادات الغاز عن المملكة.
وتراوحت امدادات الغاز للاردن عند 100 مليون قدم مكعب يوميا لتوليد الكهرباء، بعد انقطاعات متتالية اثر تعرض الخط الناقل ل15 تفجيرا في ذلك الوقت.

وقال مصدر في تصريح لوكالة الانباء الاردنية (بترا) ان "الجانب المصري ابلغ المعنيين في المملكة بانه تجري عملية تقييم الوضع والاضرار لتحديد مدى العطل الذي اصاب الخط بفعل الاعتداء الذي وقع على مسافة 17 كيلومترا عن مدينة العريش المصرية"، وشهدت هذه المنطقة اعمال عنف تصاعدت مع ازاحة الرئيس المعزول الراحل محمد مرسي عن السلطة.
 

احتمالية نشوب حرب في المنطقة من أجل الغاز والنفط

 
بالرغم من اختلال موازين القوى بين دول شرق المتوسط، يستبعد الباحث في الشأن السياسي، هيثم محمد، هذا الأمر، فكل طرف يتحاشي الدخول فى صدام ويرسم للآخر خطوطا حمراء تجاوزها يعني اندلاع مواجهة مسلحة، مضيفا أن تكتل منتدى شرق المتوسط يستند إلى 4 معطيات فى مواجهة تركيا، وهذه المعطيات هي: دعم دول المنتدى المشترك لحماية مصالحهم، وعضوية بعض هذه الدول في الاتحاد الأوروبي، وعقد اتفاقات إقليمية، ومنح رخص تنقيب لشركات تتبع قوى كبرى كالولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وإيطاليا.


ويرى الباحث في الشأن السياسي، أن المنطقة ستدخل في حرب باردة تشهد معارك اقتصادية وإعلامية وسياسية، وربما تدخل وكلاء محليين في الشأن الداخلي للدول، وقد نشهد انتقال الصراع لمناطق جديدة مثل اليمن أو الصومال أو قيام كل طرف إقليمي بتحسين موقعه عبر إقامة قواعد وموانىء على خط طرق التجارة البحرية الدولية.


-