الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

اليوم الدولي للإنسانية .. شيخ الأزهر يدعو أصحاب الأجندات الخاصة إلى أن يفيقوا من سكرتهم .. بابا الفاتيكان : الإخوة سبيل القضاء على الحروب .. وبايدن: أمامنا فرصة حقيقية لبناء عالم أفضل

الإمام الأكبر الدكتور
الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وبابا الفاتيكان
  • رسائل الذكرى الثالثة لوثيقة الإخوة الإنسانية واليوم الدولي للإنسانية
  • شيخ الأزهر: نؤمن بضرورة التفاهم بين المؤمنين بالأديان وغير المؤمنين بها
  • الطيب : ما يمر به العالم اليوم من نذر الخوف والهلع يدفع إلى إيقاظ الضمائر الغافلة والنفوس المتعالية
  • بابا الفاتيكان: الأخوة الإنسانية تقودنا إلى الانفتاح على الجميع وأن نتبيّن أننا كلنا أخوة
  • الرئيس الأمريكي: التعاليم المقدسة في كافة التقاليد الدينية تدعونا إلى أن نحب بعضُنا بعضاً

 

احتفت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، اليوم الجمعة، بذكرى توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية بين فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وإعلان اليوم الدولي للإنسانية، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في الرابع من فبراير من كل عام.

 

الإمام الأكبر وبابا الفاتيكان 

احتفال بإنسانية الدين الإلهي

وقال الإمام الأكبر أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ورئيس مجلس حكماء المسلمين: “إن احتفاء العالم اليوم بهذه المناسبة «اليوم الدولي للأخوة الإنسانية» هو احتفال بإنسانية الدين الإلهي، ودعوته للتعارف والتفاهم بين أتباع الرسالات السماوية وغير السماوية، واحترامه لخصوصية الأديان والعقائد، من أجل عالم أفضل تسوده روح التسامح والإخاء والتضامن والتكافل”.

وأعرب خلال كلمته بمناسبة «اليوم الدولي للأخوة الإنسانية» الذي يوافق الرابع من فبراير كل عام، عن أمله وتطلع عموم البشر إلى أن يساهم في تقديم حلول ناجعة لأزمات الإنسان المعاصر وتحدياته، وبخاصة أزمات الأيتام والفقراء والمهجرين والمنكوبين ممن قست عليهم الحياة، وقسى عليهم أصحاب الثراء والجاه والقوة والنفوذ، ووقعوا أسارى للمادية الحديثة بكل ما يضطرب فيها من أنانية مفرطة، وتقديس للرغبات والشهوات.

وقدم شيخ الأزهر تحية ممزوجة بالاحترام والإكبار للبابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، ووصفه بالأخ الفاضل والصديق الدائم الشجاع على درب الأخوة والسلام، معربا عن تقديره البالغ للأخ الكريم الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، مؤكدا أنه يواصل مسيرة والده الخيرة على رعايته لوثيقة الأخوة الإنسانية، ودعمها بكل صدق وإخلاص لمبادرات ترسيخها وتأصيلها ونشرها في العالم أجمع.

أوضح الإمام الأكبر، أن وثيقة الأخوة الإنسانية كتبت تحت قباب الأزهر الشريف، وبين جنبات حاضرة الفاتيكان؛ إيماناً من الجميع بضرورة التفاهم بين المؤمنين بالأديان، بل وغير المؤمنين بها؛ من أجل التخلص من الأحكام الخاطئة، والصراعات التي تفضي إلى إراقة الدماء، وإشعال الحروب بين الناس، حتى بين أبناء الدين الواحد، والمؤمنين بعقيدة واحدة، مشيرا إلى أن هذه الوثيقة ولدت من رحم أزمات بالغة الصعوبة، وكان خروجها للعالم يشبه حلما بعيد المنال؛ بسبب التحديات التي واكبت مشروع هذه الوثيقة، وراهنت على نجاحها وتحقيق أهدافها، وتحويلها إلى واقع في حياة الناس، وذلك بفضل الله، ثم ببركة النوايا الصادقة والجهود المخلصة، والإيمان العميق بأن «العباد كلهم إخوة».

وبين فضيلته أن اليوم الدولي للأخوة الإنسانية يأتي هذا العام، ولما يبرأ العالم بأسره من جائحة كورونا ومتحوراتها، لافتاً إلى أن ما يمر به العالم اليوم من نذر الخوف والهلع يدفع إلى إيقاظ الضمائر الغافلة، والنفوس المتعالية، ويدعو أصحاب الأجندات الخاصة أن يفيقوا من سكرتهم، ويتضامنوا مع المخلصين من قادة الشعوب وحكمائها وعقلائها من أجل إنقاذ البشرية من هذه الأزمات المتتالية التي يتراكم بعضها فوق بعض في كل ربوع المعمورة، داعيا العالم بمختلف طوائفه وأعراقه، وصناع القرارات الدولية، وعلماء الأديان وقادة الفكر والعلم والمعرفة للاضطلاع بمسؤولياتهم، لتجاوز هذه الأزمات الصعبة، وتخفيف يلاتها وشرورها.

وأشار شيخ الأزهر أنه يتطلع إلى تحقيق حلم هذا الطريق بدأ السير فيه جنباً إلى جنب مع القادة الدينيين، لتعيش الإنسانية بعالم جديد بلا حروب ولا صراعات، عالم يأمن فيه الخائف، ويكرم الفقير، وينصر الضعيف، ويقام فيه لواء العدل، موضحا أن السير في طريق السلام في ظل وجود عالم متناحر في كل قضاياه، بل ولا مقبول لدى فئات بضاعتها السلاح، وتجارتها الحروب والدمار؛ هو قدر المؤمنين بالله وبرسالاته مهما واجهوا من تحديات ومعوقات وعقبات، مؤكداً أنه سيواصل مع إخوته من قادة الأديان ومحبي الخير حول العالم، ما بدؤه من عمل في سبيل تحقيق السلام والأخوة، وإزالة كل مبررات الكراهية والتناحر والاقتتال، موضحاً أننا في أشد الحاجة إلى التعارف والتعاون والتآلف فيما بيننا لمواجهة المخاطر الحقيقية التي تهدد البشرية وتزعزع استقرارها.

بابا الفاتيكان وشيخ الأزهر

تعزيز ثقافة السلام

في حين، قال قداسة البابا فرنسيس إن الأخوة الإنسانية إحدى القيم الأساسية والعالمية التي ينبغي أن تستند إليها العلاقات بين الشعوب، لئلا يشعر المحرومون أو أولئك الذين يعانون بأنهم مستبعدون ومنسيون، بل أنهم محتضنون ومدعومون كجزء من الأسرة البشرية الواحدة، ويتعيّن علينا جميعًا، أن نشاطر مشاعر الأخوة المتبادلة بيننا، وأن نعمل على تعزيز ثقافة السلام، التي تشجع بدورها التنمية المستدامة والتسامح والاندماج والتفاهم المتبادل والتضامن.

وتابع البابا فرنسيس: “نعيش تحت قبة السماء الواحدة، بغض النظر عن مكان إقامتنا وطريقة عيشنا، وبمعزل عن لون البشرة والدين والطبقة الاجتماعية والجنس والعمر والظروف الصحية والاقتصادية، فجميعنا مختلفون ولكننا جميعًا متشابهون كما أثبته لنا زمن الجائحة هذ.، مصرحا “لا نجاة لمن يعمل بمفرده! لا نجاة لمن يعمل بمفرده! نعيش جميعًا تحت قبة السماء الواحدة، وينبغي علينا نحن، كمخلوقات الله وباسمه تعالى، أن نعترف بأننا أخوة وأخوات. ونحن نضطلع بدور كمؤمنين ينتمون إلى تقاليد دينية مختلفة، يتمثّل هذا الدور في مساعدة إخواننا وأخواتنا على الارتقاء بنظرهم وصلواتهم إلى الرب، فلنرفع أعيننا إلى السماء، لأن من يعبد الله بقلب صادق يرنو بالمحبة إلى قريبه أيضًا".

وأكد بابا الكنيسة الكاثوليكية أن الأخوة الإنسانية تقودنا إلى الانفتاح على الجميع وأن نتبيّن في الآخر أننا كلنا أخوة، لنتشارك الحياة ونمد يد العون لبعضنا البعض، ولنحبّ الآخرين ونتعرّف عليهم، وأنه قد حان الوقت اليوم للسير سويًا، دون الإحالة إلى الغد أو إلى مستقبل قد لا يكون، قائلا: "اليوم، حان الوقت المناسب للسير على خطى واحدة: مؤمنون وأصحاب النوايا الحسنة كافة، معًا، إنه يوم ميمون لنمسك بيد الآخر، ونحتفل بوحدتنا في التنوّع، الوحدة في التنوّع – لنقلْ للجماعات والمجتمعات التي نعيش فيها أن زمن الأخوة قد حلّ علينا،  وأنه من الضروري أن نتضامن مع بعضنا البعض، وليس هناك وقت للشعور باللامبالاة، فإما نكون إخوةً أو ينهار كل ما من حولنا. وهذا ليس مجرد تعبير أدبي مأساوي بل هي الحقيقة! إما أن نكون إخوةً أو ينهار كل ما من حولنا"، مشيرا إلى أن الأخوة هي الحل للقضاء على الحروب، وتدمير الشعوب، وحرمان الأطفال من الغذاء، وتراجع مستوى التعليم، مشددا على أننا نشهد دمارا، فإما نكون إخوةً أو ينهار كل ما من حولنا، وليس الوقت مناسبًا للنسيان.

وأوضح البابا فرنسيس أن طريق الأخوة طريق طويل وصعب، لكنه قارب النجاة للإنسانية جمعاء، فنحن نواجه صفّارات الإنذار العديدة والأوقات المظلمة ومنطق الصراع براية الأخوة التي تحتضن الآخر وتحترم هويته وتحثّه على درب مشترك، لسنا سيّان بل نحن أخوة، ولكل منّا شخصيته وفرديته.

الرئيس الأمريكي بايدن

فرصةٌ حقيقيةٌ لبناء عالمٍ أفضلٍ

في حين حث الرئيس الأمريكي  جو بايدن، جميع الشعوب على العمل معًا وتجاوز كافة الانقسامات والتعاون فيما بينهم للتغلب على التحديات العالمية، بما في ذلك جائحة فيروس كورونا المستجد وأزمة تغير المناخ وذلك من أجل "بناء عالمٍ أفضلٍ يحترم حقوق الإنسان العالمية، ويمد يد العون لكل إنسان، وينهض بالأمن والسلام لجميع الناس".
وقال الرئيس بايدن في تصريحه: "ما نراه اليوم من تحديات كالتهديد المستمر لجائحة فيروس كورونا المستجد، والأزمة الوجودية لتغير المناخ، وارتفاع وتيرة العنف حول العالم، يجعل التعاون مطلباً رئيسياً بين الناس من كافة الخلفيات، والثقافات، والعقائد، والأديان. وتتطلب منا هذه التحديات أيضا أن نتحدث مع بعضنا بعضا في حوارٍ مفتوحٍ وأن نعزز قيم التسامح والاندماج والتفاهم فيما بيننا".
وتابع الرئيس بايدن قائلاً: “طوال حياتي، كان الإيمان بالنسبة لي شعاع أملٍ ودعوة إلى السعي نحو الغاية حتى في أحلكٍ الأيام وأشدها ظلمة، فالتعاليم المقدسة في كافة التقاليد الدينية تدعونا إلى أن نحب بعضُنا بعضاً، وأن نحمي الضعفاء ونخدمهم، وأن نتمسك بكرامة كل إنسان ونحافظ عليها، وهذا ما يجسِده اليوم الدولي للأخوة الإنسانية”، مختتماً: "في هذا اليوم، نؤكد مجددًا – بالأقوال والأفعال – القيم الإنسانية التي توحدنا جميعاً. فمعاً لدينا فرصةٌ حقيقيةٌ لبناء عالمٍ أفضلٍ يحترم حقوق الإنسان العالمية ويمد يد العون لكل إنسان وينهض بالأمن والسلام لجميع الناس.

جانب من احتفال اليوم الدولي للإنسانية

الشرائع السماوية تتفق على قيمة التسامح

من ناحيته، قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إنه مرت ثلاثة أعوام على توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» تلك الوثيقة التي وضعت العالم أجمع أمام ماضيه وحاضره ومستقبله؛ ليكون صاحب قرار في تبني ما جاءت به الأديان السماوية، وما يقره العقلاء والحكماء، وما تنطق به الأعراف والمواثيق الدولية، وخلال هذه الأعوام الثلاثة عملت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية على التواصل الفعال مع من استطاعت من العالم: منظماته ومؤسساته ومفكريه وعقلائه لعرض الوثيقة وأهدافها؛ لتلتف البشرية حول معنى جامع، يأخذ بأيديها إلى السلام، ويقطع على المنحرفين مخططاتهم.

وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بمهرجان الأخوة الإنسانية بدولة الإمارات العربية المتحدة بالحلقة النقاشية" حول أبعاد الأخوة الإنسانية في التحالف العالمي للتسامح"،  أن ديننا وأمتنا وبلادنا بلاد التسامح، وثقافة التسامح التي يحيا بها الناس في مصر وفي الإمارات وفي غيرها من البلاد هي فضيلة إسلامية إنسانية بامتياز، حث عليها وحي السماء، وغرسها في نفوس البشر وضمائرهم؛ من أجل التخلي عن الأمراض الاجتماعية والنفسية والثقافية كالكراهية والحقد والعنف وغيرها من الأمراض التي تترك آثارا هدامة في حياة الأفراد والمجتمعات.
وبيَّن الدكتور الضويني أن الشرائع السماوية تتفق على قيمة التسامح، وتخصها بقسط وافر من النصوص، ولو أن أتباع الوحي تلقوا نصوصه بعيدا عن تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، لأمن كل إنسان على نفسه في أي مكان وأي زمان، وقد جاء الإسلام بجملة من المبادئ الأخلاقية والقيم الحضارية التي تعصم النفوس، وتحفظ الأرواح، وتضبط حركة الحياة والأحياء، فلا فرق في الإسلام بين بني الإنسان بسبب اللون، أو الجنس، أو اللسان، فهم جميعا من أصل واحد: أب واحد، وأم واحدة.
وشدد وكيل الأزهر على أن نفس الإنسان في الإسلام مصونة معصومة أيا كان هذا الإنسان، وإزهاق نفس واحدة في أحكام الإسلام كقتل البشرية كلها، وإحياء نفس في أحكام الإسلام كإحياء البشرية كلها؛ ولقد استطاع سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يرعى مبادئ الخير والحب والسلام، حتى أثمرت أخوة وتسامحا في مكة، ووثيقة تنظم العلاقات في المدينة المنورة، وترك هذه المبادئ في الأمة سنة باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، تستطيع بها الأمة أن تتعايش مع الكون كله، وقد أثبت التاريخ صدق ذلك وواقعيته.

وأوضح أن الأزهر الشريف قد ورث من النبوة آثارها وأنوارها، وحين أدرك الأزهر بحسه الديني، وواجبه الإنساني، ودوره العالمي حاجة البشرية إلى هذا النور الذي يبدد ظلمات العنف والتطرف، ويكشف التيارات المنحرفة استنبت من هذه البذور النبوية الطيبة نبتا جديدا معاصرا أثمر وثيقتين: جاءت أولاهما عام 2017، تحت عنوان: «إعلان الأزهر للمواطنة والعيش المشترك»، وجاءت الثانية عام 2019، تحت عنوان: «وثيقة الأخوة الإنسانية».
وأكد الضويني، أن الأزهر في الوثيقة الأولى شدد على أن «المواطنة» مصطلح أصيل في الإسلام، ترجمه الصحابة إلى واقع عملي، ظهرت ثمراته في حياتهم مع غيرهم، وأن «المواطنة الحقيقية» لا إقصاء معها، ولا تفرقة فيها، وإنما تقبل التعددية الدينية والعرقية والاجتماعية، وأن «المواطنة الصادقة» تستلزم بالضرورة إدانة كل التصرفات والممارسات التي تفرق بين الناس بسبب من الأسباب، ويترتب عليها ازدراء أو تهميش أو حرمان من الحقوق، فضلا عن الملاحقة والتضييق والتهجير والقتل، وما إلى ذلك من سلوكيات يرفضها الإسلام.

وشدد على أن «وثيقة الأخوة الإنسانية» ولدت من فكر أزهري مستنير، واحتضنتها أرض الإمارات؛ لتكون موجهة إلى العالم كله، بدءا بقادة العالم وصناع السياسات الدولية والاقتصادية العالمية، من أجل وقف الحروب وسيل الدماء غير المبرر، ونشر ثقافة التسامح والتعايش والسلام، وتقف بما فيها من مبادئ في وجه هذا الانحدار الثقافي والأخلاقي الذي يعارض القيم والثوابت.