الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

د. صفوت عمارة يكتُب: رمضان منحة إلهيَّة للمسلمين

صدى البلد

من حكمة اللَّه سبحانه وتعالى، أنه فضَّل بعض الأوقات والأزمنة على بعضٍ، فاختار منها أوقاتًا ضاعف فيها الثواب، وخصها بمزيد الفضل وزيادة الأجر، بما أودع اللَّه عزَّ وجلَّ فيها من فضله، وما يقع فيها من إكرامه لعباده؛ ليكون ذلك أدعى لشحذ الهمم، وتجديد العزائم، والمسابقة في الخيرات والتعرض للنفحات.

 

ففضَّل اللَّه شهر رمضان واختصه بخصائص وميَّزه بمزايا انفرد بها عن سائر الشهور، وقد بيَّن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم فضله، وفضل العمل الصالح فيه عن غيره، كما ورد في حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه، قال: قال رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» [رواه البخاري ومسلم]، والمراد: من صام رمضان تصديقًا بالأمر به، عالمًا بوجوبه، خائفًا من عقاب تركه، مؤمنًا باللَّه ومحتسبًا الأجر والثواب في صومه من اللَّه فإنَّ المرجو أن يغفر له ما تقدم من ذنوبه.

 

وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أنَّ رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «رغِم أنف رجلٍ ذكرت عنده فلم يصلِّ عليَّ، ورغِم أنف رجلٍ دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يُغفر له، ورغِم أنف رجلٍ أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» [رواه مسلم]، أي: خاب وخسر وذلَّ وعجز ولصق أنفه بالتراب كل من ذُكر عنده النبي فلم يقل: صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وكل من أدرك شهر رمضان فكسل عن العبادة ولم يجتهد ويشمر حتى انتهى الشهر فلم يظفر ببركة الشهر الكريم ولم يُغفر له، وكل من بلغ أبواه سن الكبر فلم يجتهد في برِّهما وبالغ في إرضائهما حتى يُدخله بِرُّهما الجنة.

الصيام عبادة عظيمة تُطهر النفس وتزكيها، وفرصة لتكفير الذنوب والخطايا، وشهر رمضان منحة إلهيَّة وهبها اللَّه للأمة المحمدية، وفرصة ربانية عظيمة لكسب الكثير من العادات الحسنة والابتعاد عن الكثير من العادات السيئة، وحظي شهر رمضان بهذه المكانة والمنزلة؛ لنزول القرآن الكريم فيه على نبينا محمد صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، وهو الشهر الوحيد الذي ذُكر باسمه في القرآن الكريم؛ قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، أي: شهر رمضان الذي أنزل اللَّه فيه القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر منه، ثم نزل بعد ذلك مُفرقًا بحسب الوقائع على رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم.

شهر رمضان فرصة لا تُتاح كل عام إلا مرة واحدة؛ فعلينا أن نغتنَّم نفحاته؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه أن رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «إذا كانت أول ليلةٍ من رمضان صُفِّدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها بابٌ وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها بابٌ ونادى منادٍ يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر وللَّه عتقاء من النار وذلك في كل ليلةٍ» [رواه الترمذي]؛ فهذا الشَّهر يرغِّب في أعمال الخير وخاصَّةً عند أصحابها؛ لما فيه من الأسباب التي تعينه على ذلك، وقد قال العلماء: أن تصفِّيد الشياطين قد يكون واقعًا على الحقيقة، أو أن كثرة الثواب والأجر تقلل من تأثير وسوسة الشياطين على المؤمنين، فيصبحون كالمصفدين، إذ تقل قدرتهم على إغواء المؤمنين، ولذلك فسر الإمام القرطبي ارتكاب بعض الناس للمعاصي بأن الشياطين التي تصفِّد إنما هي مردة الشياطين، وليست الشياطين جميعها، أو أن الشياطين إنما تصفِّد عمن صام صومًا صحيحًا، وراعى شروط الصوم وآدابه، وذلك لأن للمعاصي أسبابًا أخرى غير الشياطين، مثل النفس الأمارة بالسوء، وأصدقاء السوء؛ فأقبل على اللَّه وعلى طاعته، وأمسك وامتنع عن الشر، وللَّه عتقاء كثيرون من النار في كل ليلةٍ من ليالي رمضان، اللهم تقبل منا الصيام وصالح الأعمال.. الدكتور صفوت محمد عمارة، من علماء الأزهر الشريف.