الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

في آخر أيام شهر رمضان

نوادر الأرشيف.. سهرات رمضان حيلة ابتكرتها منيرة المهدية ونافسها فيها سعد زغلول

منيرة المهدية
منيرة المهدية

رغم عمل معظمهم معا إلا أن المنافسة بين الفنانين في مصر كانت على أشدها قبل أكثر من مائة عام، والتي لم تقتصر على تقديم الأعمال الفنية فقط بل امتدت إلى تقليد التصرفات الشخصية، ومنها عادة شخصية لأحد الفنانين قلدته الفنانة منيرة المهدية خلال شهر رمضان، وأدى إلى ابتكار عادتها الرمضانية، وهي تحويل منزلها إلى مكان لـ سهرات غنائية لـ «ليالي رمضان» وهو ما لم تسمح به المسارح حينها.

 وأصبح تقديم أعمال فنية جديدة وأغنيات ومسرحيات خلال هذا الشهر المبارك تقليدا سنويا لأهل الفن في مصر، بل وتطور الأمر إلى تنفيذ رجال السياسة والأحزاب المصرية إلى عادة منيرة المهدية في شهر رمضان.

الشيخ سلامة حجازي

إفطار عابري السبيل

إقامة أمسيات في منازل الفنانين لم يكن أمرا شائعا في مصر، ولكن الشيخ سلامة حجازي - الذي كان يسكن في حي الحلمية قبل انتقاله في أواخر أيامه إلى مصر الجديدة - بدأ هذا الأمر صدفة، فقد كانت أبواب منزله مفتوحة لاستقبال عابري السبيل يوميا، بداية من قبل آذان المغرب وحتى الإفطار على الموائد التي أعدها في صالة منزله الكبيرة وفي حضور مقرئين، والذين اعتادوا البدء في تلاوة القرآن منذ الساعة الخامسة حتى الثامنة والنصف مساءا، يتخللها فترة الإفطار والصلاة، وبعدها يقرأ الشيخ سلامة آيات القرآن حتى الساعة التاسعة والنصف.

كان الحضور في منزله في البداية يقتصر على الإفطار وتلاوة القرآن، نظرا لارتباطه بموعد يومي على المسرح لتقديم مسرحية، ولكن كل من كان يتواجد بمنزله كان يرفض المغادرة قبل الحصول على أمسية فنية في منزل الفنان الكبير، ورفض الشيخ سلامة حينها أن يَرد محبًا للفن، فقرر إحياء سهرات رمضان في بيته بجانب عمله في المسرح، وكان يترك الموجودين بمنزله معا ويذهب إلى مسرحه في شارع عبدالعزيز، وينتهي من العرض حوالي الساعة الثانية صباحا وبعد عودته إلى المنزل يتفاجأ بأن الحضور لم يغادروا، وفقا لما ذكر في مجلة «الكواكب» فبراير عام 1954.

«منزلي يسع الجميع في شهر رمضان» هذا ما آمن به الشيخ سلامة وحاول تطبيقه دون محاولة من قبل البعض لاستغلال الأمر بشكل يخالف رغبته، فقد اعتاد على هذا الروتين اليومي في شهر رمضان حتى أنه في الأعوام التالية لهذا التجمع بدء يطلب من الحضور أن يظلوا موجودين حتى يعود من المسرح ويتناولوا السحور ويصلوا الفجر معا.

خبر عن سهرات منيرة المهدية في شهر رمضان - مجلة الكواكب عام 1954
خبر عن سهرات منيرة المهدية في شهر رمضان - مجلة الكواكب عام 1954

سهرة رمضانية في بيت منيرة المهدية 

يبدو أن عمل الشيخ سلامة الخيري لم يرق للفنانين المنافسين بعد مواظبته لعدة سنوات على هذه العادة، الذين ظنوا أنها حيلة يتبعها لزيادة محبيه، وكانت أول المنافسين هي الفنانة منيرة المهدية والتي وصل الأمر إلى مسامعها بأن الشيخ سلامة قد حوّل منزله إلى مسرح لسهرات رمضان اليومية، فقررت تقليده لاحقا وأحيت سهرات رمضان في منزلها التي كانت تملكه في حي الإمام الشافعي.

لم تقدم منيرة ما قدمه الشيخ سلامة من إفطار لكل عابر سبيل أو حلقات تلاوة القرآن، واعتمدت على الغناء وجلسات المناقشة، ليتحول منزلها في شهر رمضان في أوائل القرن العشرين إلى ملتقى كبار السياسيين، الأدباء والمفكرين، وكان من المناظر المألوفة وجود عظماء السياسة في منزل منيرة المهدية، ولم يؤثر هذا على عملها بالمسرح خلال شهر رمضان، فقد كانت تترك للحضور حرية الاختيار للبقاء في منزلها واستئناف الأمسية بعد عودتها، ولكن سرعان ما كان يغادر الموجودين معها خلال مغادرتها للمسرح.

الفنانة منيرة المهدية  (1)
الفنانة منيرة المهدية (1)

«سهرة رمضان في بيت منيرة المهدية» وقع هذا الخبر على مسامع الجميع، وبدءت أعداد الحضور في منزلها تزداد يوما بعد يوم، فلجأت منيرة إلى حضور فرقتها معها يوميا خلال شهر رمضان، فأصبحت هذه السهرات الدعاية المثالية لها والتي جعل الإقبال على مسرحياتها وحفلاتها الغنائية يزداد بشكل ملحوظ، ولكن الغيرة في الوسط الفني لم تتح لمنيرة أو سلامة فرصة الانفراد بتطبيق هذه الفكرة والتي ما أن نجحت حتى بدء معظم الفنانين في تطبيقها ومنها فنانون وفنانات معروفون، كانوا يحتفلون بسهرات رمضان في منازلهم برفقة الجمهور.

خبر عن منافسة القصور السياسية لمنيرة المهدية
خبر عن منافسة القصور السياسية لمنيرة المهدية

منافسة قوية

في أوائل القرن العشرين، أولى الفنانون في مصر اهتماما خاصا لشهر رمضان المبارك، فكان الإقبال على حضور الجمهور للسهرات الفنية في هذا الشهر يعادل باقي شهور العام، جاب محبي الفن، المسارح والتي بعضها لم تقدم عروضا فنية في ذلك الوقت خلال شهر رمضان، ليلجأ الجمهور إلى طرق منازل الفنانين أملا في الحصول على أمسية تناسب «ليالي رمضان».

«جاء شهر رمضان في الأعوام التالية، وتحولت منازل كل الفنانين لاستقبال الجمهور في شهر رمضان» هذا ما قاله أحد الممثلين الذين رفضوا تطبيق الفكرة حينها، ولاحظ الممثل المصري- لم يُكتب اسمه - تطور الأمر لتنتقل فكرة الأمسية الغنائية التي ابتكرتها منيرة المهدية إلى منازل السياسيين وعظماء مصر آنذاك، والذين تسابقوا إلى اكتساب أنصار ومحبين لهم من خلال فتح أبواب قصورهم للجمهور خلال شهر رمضان.

الفنانة منيرة المهدية  (2)
الفنانة منيرة المهدية (2)

 منازل السياسيين 

تسللت هذه العادة إلى قصور نواب البرلمان بعد ثورة 1919، حيث وجد النواب في هذه السهرات، حيلة لجذب أكبر كم ممكن من الجمهور، وكان كل زعيم أو رجل سياسة ينافس الآخر  بأنه سيعمل على إسعاد المصريين، تارة بفتح أبواب قصره، وأخرى بجلب المشاهير والفنانين في منزله للجمور العام دون مقابل.

وكان «بيت الأمة» أول مكان سياسي يُحيى سهرات رمضان في عام 1925، بالاشتراك مع المقرئين والفنانين، حيث اشترى سعد زغلول باشا هذه الأرض قبل عامين من وفاته – أصبحت ضريحه بعد وفاته - وخلال هذه الفترة تم استغلالها كـ مقر سياسي لحزب الوفد.

واستعان «بيت الأمة» بالفنان حسن فايق المونولوجست في بدايته الفنية، وكان يجلس ضمن الحضور لإلقاء النكات، وحاولت باقي الأحزاب السياسية منافسته في تقليد هذه الفكرة، حيث جاء شهر رمضان ذات عام وتحول أغلب ممثلي الكوميديا إلى منولوجست بسبب تنافس القصور على التعاقد معهم لإحياء سهرات رمضان، وأصبح الغناء واشتراك المنولوجست مع المقرئين والمنشدين تقليدا معروفا.