الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

كيف أنصف الخطاب الصوفي المرأة؟

مصطفى زايد
مصطفى زايد

ترددت في الآونة الأخيرة أحاديث الخطاب الوسطي المستنير والمعتدل حتى طغت مترادفات ومفاهيم الوسطية على الواجهة وباتت الحاجة إلى توضيح الصورة الحقيقية للإسلام خاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والطفل والأقليات، وما أوجدته تلك الشريعة الغراء من إنصاف غاب لعهود طويلة نتيجة التطرف في جانب والترخص في آخر، فتاهت فيه حقوق المرأة ما بين مهمش لها يراها خادمة في بيت وجسد لتفريغ الشهوة، وآخر يمعن في التقليل والإساءة إليها تحت ستار معرفته بحقوقها فأضحت في تحررها متصادمة مع ثوابت الدين.

وبعد أن حملت كلمات مفتي الهند مؤخراً خلال المؤتمر العالمي لدار الإفتاء المصرية لمكافحة التطرف، الحديث عن حاجة العالم للتصوف، كان لزاماً أن يدرك الجميع ما حمله الخطاب الصوفي من اعتدال وتجسيد لتلك الحقوق التي لا تعرف التهميش وجعلها شيئا ثانويا في حياة الرجل، أو تلك الإهانات التي تجعلها كائنا مسخا لا يعرف قدره والحكمة من خلقه بهذه الطبيعة الربانية. 

ففي مصر على وجه التحديد حملت ثورة الـ 30 من يونيو لعام 2013، انتفاضة شعبية مخلصة لإنهاء عصر الاختطاف الديني والاحتكام لوسطية تؤلف قلوب أفراد الشعب وتزيد من لحمته، لا تفرق بين رجل وامرأة أو بين صغير وكبير أو مسلم وغير مسلم فالجميع له حقوق كفلتها الشريعة الإسلامية وسطرها القانون المصري، ومع ما شهدته الدولة من متغيرات لجأت كثير من النساء إلى التصوف باعتباره ملاذاً آمناً ومتنفساً عظيماً لاستعادة هويتها الإسلامية فلم يكن صوتها عورة كما زعم المتسلفة في خطاباتهم المتشددة وتفردت بأصوات عذبة تلألأت في دنيا المديح والثناء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته.

 فلم يعهد التصوف التفريق بين رجل صالح وامرأة صالحة، فالكل في تقربه إلى الله كان مسلكاً لمن أتى من بعده، فهناك في الصفوف الأولى من السيدات ستنا السيدة زينب وستنا السيدة سكينة وستنا السيدة نفسية وغيرهن ممن يشار إليهن بالصلاح والفلاح والكرامات اجتمعت في رحابهن الرجل والنساء وجميع أفراد الشعب المصري بل إننا لا نستغرب أن يتبرك المسيحي بهن.

يقول الشيخ ابن عربي في شأن المساواة بين الرجل والمرأة: "على المرأة والرجل أن يشتركا في جميع المراتب، حتى في القطبية". 

كما أن للمرأة في التصوف يدا وفضلا عظيمين فنجد أن في صفوفهن نماذج متفردة إلا أن لضيق المقام نذكر منها: 
1- رابعة العدوية: صاحبة مدرسة صوفية ترتكز على ما يسمى بـ«الحب الإلهي».
2- فاطمة النيسابورية: التي ربما لم تنل متصوفة ثناءً من فقيه متصوف بحجم ذي النون المصري قدر ما نالته فاطمة النيسابورية (ت 837).
3- عائشة الباعونية : فعائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر الدين الباعونية الدمشقية (توفيت 1517) كانت عالمة جليلة، وأديبة وشاعرة ذات دين وصلاح، تنسّكت على يد إسماعيل الخوارزمي، ثم على خليفته المحيوي يحيي الأرمي. حُملت إلى القاهرة واقتطفت فيها حظاً وافراً من العلوم حتى أُجيرت بالإفتاء والتدريس، ثم أخذت في التأليف حتى اجتمع لديها طائفة من الكتب والرسائل والقصائد.

وعليه، فإنّ الخطاب الديني المُتشدّد، إزاء النساء، وعند مقارنته بنظيره الصوفي الأكثر تسامحاً، يبدو مسطحاً وغير واقعي أيضاً، فجلّ النساء، بمن فيهنّ السلفيات المتشددات منهنّ، لن يستمعن إلى خطابات المنع والقهر والإزاحة من الفضاء العام، لربما تلتزم بعضهن بما يسمي "الزي الشرعي"، من ناحية شكلية، لكنهنّ لن يخضعن لـ "الانتقاب العقلي"، و"الحجاب المكاني والزماني"، إن صحّ التعبير، لجهة أنّه خطاب يستهدف تزييف قضية المرأة، حين يصرّ على مناقشتها من خلال مرجعية النصوص، متجاهلاً أنّها قضية اجتماعية في الأساس، لا تقبل أن تؤخذ على نحو من الخطاب يتحدث عن (مطلق المرأة/ الأنثى)، ويضعها في علاقة مقارنة مع مُطلق الرجل/ الذكر، ثم يُنصّب الأخير في مقام المُهيمن عليها.

كما أن المتصوفة إنسان سويّ وكامل تماماً كالرجل، حتى أنّ لغة الكثير من الطرق الصوفية لا تحتفي بالذكورية في أي شأن يمسّ المرأة، فيما بلغت أوضاع النساء من منسوبات بعض الطرق الصوفية مكانةً كبيرةً، كما أنّ هناك مريداً ومريدة، وعارفاً وعارفة، وقد تتصوف الزوجة دون زوجها، أو يتصوف الاثنان لا ضير في ذلك.