الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

نظام دولي يتآكل وآخر يولد

عبد المعطي أحمد
عبد المعطي أحمد

من الواضح أن المجتمع الدولي مقبل علي حالة من الاستقطاب الحاد في ضوء ما تبذله الولايات المتحدة من جهود حثيثة، مستخدمة قوتها الاقتصادية والمالية الهائلة لحشد أكبر عدد ممكن من الحلفاء والشركاء لعزل روسيا، والإضرار باقتصادها في إطار مايمكن تسميته ’’ بالدبلوماسية القسرية ‘‘ ومن الصعب أن يتجاهل المراقب مدي ما وصل إليه النظام الدولي الراهن من نفاق وازدواجية، خاصة الموقف من العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وهذا الحشد العربي الهائل  لإدانتها والموقف المخزي والمشين لمجموعة الدول التي تقود هذا الحشد بينما لا يجرؤ أي منها علي مجرد انتقاد ممارسات إسرائيل لآخر دولة احتلال واستعمار استيطاني في القرن الحادي والعشرين.

 

وكشفت الأزمة أيضاً عن عورات مزمنة في سلوك وفكر النخبة السياسية في أوروبا ، والتي لم تختلف ممارستها كثيرا عن تلك التي كانت عصور الاستعمار، حيث تجسد ذلك بوضوح في المعاملات التمييزية الصارخة التي كانت ضحيتها الأفارقة وغيرهم من الأجانب غير الأوربيين الذين حاولوا الهرب من العمليات العسكرية في أوكرانيا إلي دول الجوار المباشر في الاتحاد الأوروبي ، والتي لم تسمح لهم بعبور الحدود الأوكرانية التي شرعت فقط للأوكرانيين البيض.

 

 ويتوقع أن تبقي الأزمة الراهنة مفتوحة علي كل الاحتمالات، حيث تبدو روسيا مصممة علي تحقيق الأقليات الروسية في أوكرانيا، وضمان حياد هذه الأخيرة ونزع سلاحها ، بينما تبدو الولايات المتحدة وحلفاؤها مصممين علي محاصرة روسيا بسلاح العقوبات وتقديم الدعم العسكري والإنساني لأوكرانيا، الأمر الذي ينذر باستمرار الحرب بكل تداعيتها الأقتصادية والسياسية والأمنية، والأزمة لا تتعلق بأوكرانيا في حد ذاتها أو بالدفاع عن مبادئ الحرية والديمقراطية، وإنما بجولة من جولات الصراع بين نظام دولي يتآكل وآخر يولد ، ومن الطبيعي في هذا السياق ألا يستسلم الغرب- الذي لعب دوراً كبيراً في إرساء قواعد هذا النظام المتآكل لخدمة مصالحه -عن هذه  المصالح بسهولة ، وإنما سيدافع عنها بقوة وشراسة للإبقاء علي النظام القائم الذي لايزال يعطي الولايات المتحدة والعرب أكثر مما يستحق في عالم سريع التغير.

 

أعتقد أن أكثر مصطلح انتشر في آخر عامين في أوساطنا وفي العالم كله هو مصطلح التباعد الإجتماعي كأحد أهم الإجراءات الاحترازية ضد الكورونا، أى أنه كان الحل للتعامل مع الأزمة . وتدور الأيام ويصحو العالم علي أكبر أزمة منذ الحرب العالمية الثانية ويدخل حياتنا مفهوم التكافل الإجتماعي كأحد أهم الحلول وأساليب التعامل مع تبعات أزمة روسيا وأوكرانيا ، وبمتابعتي وجدت أن مصطلح الإجتماعي بكل صياغاته من حماية اجتماعية وتكاتف  اجتماعي وتكامل اجتماعي أصبحت مبادئ وامتدت إلى سياسات إلى أن وصلت إلى قرارات عملية الأمر الذى أدى إلى التخفيف ولا أقول إنها حالة الانزعاج التى أصابت العالم كله ونحن جزء منه إن التكاتف الاجتماعى هو السبيل الوحيد لنخفف من آثار أزمة اكتسحت العالم كله كبيرها قبل صغيرها.

 

لم تشهد القضية الفلسطينية تراجعا فى الاهتمام الدولى مثلما يحدث الآن ، فالعالم مشغول بالحرب فى أوكرانيا، مما جعل إسرائيل تستغل الفرصة وتزيد من بطشها واعتداءاتها على الشعب الفلسطيني ومقدساته ، فلا يوجد من يهتم ولا من يستطيع أن يوقفها عند حدها . صحيح أن الحرب الأوكرانية هي أهم أسباب ابتعاد القضية الفلسطينية عن دائرة الضوء العالمية فى الوقت الراهن، ولكن أولويات القوى العظمى اختلفت والدول العربية انشغلت ، فأمريكا التى كان الرئيس الراحل أنور السادات رحمه الله يقول : إن 99% من أوراق اللعبة فى يدها تغيرت تماما عن ذلك الزمان الذى لم يستغله العرب ، وأضاعوا فرصة ما عرضه السادات . أما روسيا فقد تم جرها إلى حرب لاستنزاف قواها العسكرية وقدراتها الاقتصادية ، ودخلت فى متاهة ستظل لسنوات تحاول الخروج منها وعلاج تداعياتها ، فقد وقع الدب الروسى فى فخ لا فكاك منه إلا بعد خلع أنيابه !!وأوروبا المفككة تسعي لجمع شتاتها ووقف عمليات الخروج من اتحادها بعد زلزال "البريكست" البريطاني، فربما أعاد الشباب التماسك لتلك القارة العجوز التي كتب عليها أن تعيش على ذكريات زمانها الاستعمارى وإمبراطوريتها التي لا تغيب عنها الشمس! تبقى الصين "فالتنين الأصفر" يستعد لتصدر المشهد الدولى واحتلال قمته، وبالطبع لا تريد لقضية مثل فلسطين أن تؤثر على ما تخططه لمستقبلها كما أن علاقاتها تتوثق أكثر كل يوم مع إسرائيل، وأصبحت لها مصالح مشتركة.