الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

هيكل.. الأب الروحي للصحافة المقدسة

إبراهيم شعبان
إبراهيم شعبان

في الذكرى الـ99 لميلاد الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل، لا يمكن إلا أن تبكي الصحافة المصرية بدموع حارة، وتجدد عزاءها في ذكرى أحد أهم أعمدتها طوال القرن العشرين.

فمحمد حسنين هيكل، الذي تحل ذكرى ميلاده 23 سبتمبر من كل عام، لم يكن صحفيا عاديًا ولا مجرد كاتب صحفي شهير، تعلقت بكتاباته أجيال بعد أجيال ولكنه بحق كاتب مؤسس في بلاط صاحب الجلالة وأحد من ابتدعوا ما أسميه اليوم "الصحافة المقدسة"، فكتاباته جميعها لم تكن تمر مرور الكرام. ولكنها دائما ما كان يصاحبها حرائق وعواصف ودخان كثيف ومعارك متواصلة.

عرفت طريقي إلى كتابات هيكل في بداية تسعينيات القرن الماضي بعد شهور قليلة من انتهاء حرب الخليج الثانية، أو ما عرفت بـ"غزو الكويت"، ومن يومها وحتى وفاته عام 2016 وطيلة قرابة 25 عاما لم أترك كلمة مكتوبة لمحمد حسنين هيكل، إلا وحرصت على قراءتها والاحتفاظ بها. 

ولم أكن في ذلك مختلفا عن سير الأولين أو الأجيال السابقة التي تعلقت بأسطورة محمد حسنين هيكل في حياته. فالرجل رحمه الله، كان صاحب أسلوب بديع مذهل في الصحافة المصرية ورؤية موسوعية، كما أن الكتاب السياسي الذي صنعه هيكل، لم يكن له نظير في المكتبة المصرية أو العربية حتى اللحظة، وكانت كتبه الأكثر مبيعا في مصر والعالم العربي، ودائما ما كان يزينها بعشرات من الوثائق المترجمة القادمة من ملفات السياسة الغربية ودهاليزها، وفي حياته كانت كتبه تترجم لعشرات اللغات ويتابعها العالم أجمع.

فهيكل هو هيكل، الذي سطر تاريخا يصعب حذفه أو تجاوزه طيلة قرابة ما يزيد على 70 عامًا، فقد بدأ الكتابة منذ الأربعينيات واعتزلها في عام 2003، بعد بلوغه سن الثمانين لكنه ظل ملء السمع والبصر بحواراته التلفزيونية وآرائه الجريئة وقضاياه المتفجرة.

وأذكر أن آخر كتابات الأستاذ محمد حسنين هيكل، كان هى الكتابات الشهرية التي ازدانت بها مجلة "الكتب وجهات نظر"، التي أصدرتها دار الشروق، وقتما كان يرأسها الكاتب الكبير الرحل سلامة أحمد سلامة. وكان المقال الشهري أو ما أسماه هو آنذاك "المقال المستطرد" الضخم مادة ثرية يتابعها العالم العربي عبر هذه المجلة الرصينة التي اختفت.

وعبر هذه التجربة الصحفية المميزة، تعرض هيكل لفصول وحكايات ساخنة، منها سلسلة مقالات أسماها "سياحة صيف في الوثائق الإسرائيلية" ومذكرات مؤسس دولة إسرائيل دافيد بن جوريون، وفصول عن حياة ومواقف الزعيم المغربي الراحل الحسن الثاني، أثارت ضجة عارمة آنذاك ومقالات نارية عن الزعيم الأردني الراحل الملك حسين، والزعيم الليبي معمر القذافي بعد لقائه في القاهرة. ومقالات كثيرة طوال قرابة 50 عددا أو أقل قليلا على ما أذكر.

هيكل هو الذي جعل للكلمة الصحفية وزنا هائلا، ولا تزال قصة خلافه مع الرئيس الراحل أنور السادات وكتابه “خريف الغضب”، عن بداية ونهاية عصر الرئيس الراحل أنور السادات، مادة صحيفة حية يقرأها من يريدون الرجوع لهذه الفترة ومعرفة خلفياتها، وكتبه الأخرى “ملفات السويس” و"الانفجار" و"العروش والجيوش"، وحتى كتابه الأخير “مبارك وزمانه” عن فترة حكم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، وهو وثيقة سياسية هامة.

طوال حياة هيكل اختلف الكثيرون حوله وحول تجربته، لكن الأكثر بشاعة في رأيي، هو ما تعرض له كتاب صحفيون صنعهم هيكل بحواراته معهم وموافقته على لقاءاتهم، ثم بعد ذلك ولأسباب رخيصة انقلبوا عليه وكتبوا كتبا تنهش في هيكل وتجربته، وحاولت أن تقدم "إفكا" للناس في فكر محمد حسنين هيكل ورؤيته السياسية للأحداث.

وختاما.. وفي ذكرى ميلاده الـ99 أجدد الطلب لأبناء الأستاذ هيكل، وقد كتب ذلك بوضوح في أحد مقالاته في وجهات نظر، أن يتم الحديث عن يوميات هيكل أو أن تأخذ طريقها للنور وفق مدد صاغها هو بنفسه لظهورها للناس.

فيوميات هيكل، وقد كان يسجل يوميات حياته ولقاءاته وانطباعاته كل يوم، ستكون الزلزال السياسي والصحفي الأبرز في القرن الـ21 بشهاداته عن رموز عصره من الزعماء والملوك والسياسيين.

رحم الله الأستاذ هيكل.. قدر ما كان صوت الحق والحقيقة لأحداث كثيرة مرت في مصر والعالم العربي.