الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ضوابط المعاملات المالية

د. صفوت عمارة
د. صفوت عمارة

يُعدُّ المال عصب الحياة، وحرصت الشريعة الإسلامية على حفظ المال وصيانته، وحرمت الاعتداء عليه، واعتبرته أحد الضروريات الخمس، التي يجب الحفاظ عليها، وهي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال، ولقد ورد لفظ المال في القرآن الكريم 86 مرة، مفردًا وَجمعًا، معرفًا وَنكرة، وذلك يُعدُّ دليلًا كبيرًا على الاهتمام القرآني الشديد بالمال، والنظرة الإسلامية الخاصة إليه لأنه يعتبر اليوم عصب الحياة.

 ونظرًا لحاجة الإنسان إلى الاستدانة والاقتراض وضعت عدة ضوابط للمعاملات التي تشتمل على الدَّين، والتي شملتها «آية الدَّين أو آية المداينة» أطول آية في القرآن الكريم من حيث عدد الحروف والكلمات، وهذه الضوابط تشمل المعاملات المالية، وهي كتابة الدَّين وتحديد أجله والاشهاد عليه، ضمانًا للحقوق وحرصًا على مصلحة الفرد والمجتمع، حيث قال الله عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ...} [البقرة: 282]، وفي هذه الآيةإرشاد من اللَّه تعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ، ليكون ذلك أحفظ لمقدارها وميقاتها ، وأضبط للشاهد فيها.

ومن استدان وهو ينوي النية الصادقة الوفاء بالدَّين أعانه اللَّه عليه ويسر له ووسع في رزقه حتى يوفيه فإن مات يقضي اللَّه عنه دَّينه، ومن كانت نيته عند الأخذ عدم الوفاء فهو من إتلاف أموال الناس فاللَّه عزَّ وجلَّ يضيق عليه ويتلف ماله ويعسر عليه سداده ويعذبه على ذلك في آخرته؛ فمن استدان وفي نيته الردُّ، فقد تكفل اللَّه بقضاء هذا الدَّين في الدنيا أو الآخرة.؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى اللَّه عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه اللَّه» [رواه.  البخاري]؛ ففي هذا الحديث يُخبرنا النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم عن فضل المدين الذي ينوي الوفاء بدَّينه، وبالوعيد للمدين الذي ينوي أكل مال دائنه وعدم سداد دَّينه؛ فمن أخذ أموال الناس على سبيل القرض أو غيره من أوجه المعاملات، وهو يقصد ويعزم على رد دَّينه؛ يسر اللَّه له ما يؤدِّى منه، وأرضى دائنه عنه في الآخرة إن لم يستطع الوفاء في الدنيا؛ أما من أخذ أموال الناس على سبيل القرض أو غيره من أوجه المعاملات، وهو يريد عدم ردها أتلفه اللَّه بذهاب ماله من يده، فلا ينتفع به في الدنيا لسوء نيته، وعاقبه على الدَّين في الآخرة.

علمنا الإسلام المسارعة في أداء الحقوق إلى أهلها وعدم المماطلة والتسويف متى وجد الإنسان الفرصة وتمكن من أداء دَّينه؛ فلا ينبغي له التأخير في السداد لأنه لا يدري فقد لا يتمكن بعد ذلك فيكون مضيعًا لحق غيره، وإذا جاء وقت السداد وأخره لغير عذر فهو ظلم لصاحب المال يجب العدول عنه، ولقد حذرنا الشرع من التهاون في أداء حقوق الناس، وخاصة قضاء الدَّين؛ حتى لا يأتي الأنسان أجله وفي ذمته دينٌ لأحدٍ فيعلق به؛ فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، أن النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم قال: «نفس المؤمن معلقةٌ بدَّينه حتى يقضى عنه» [صحيح الترمذي وابن ماجه]، أي: حتى يسدد عنه دَّينه، فينبغي على المدين أن يبرئ ذمته من الدَّين المستحق عليه، ولعظم أمر الدَّين وخطره، كان النبي صلَّى اللَّه عليه وسلَّم لا يصلِّي على أحدٍ مات عليه دينٌ، وليس في تركته ما يمكن سداده منه.
اللّهم اقضِ الدين عن المدينين.