الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

دور الملكية الفكرية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية

محمود جلال
محمود جلال

في الماضي كانت الملكية الفكرية تستخدم فقط لحماية حقوق مالكها بما يعرف بالجانب القانوني، سواء أكانت حقوق التأليف والنشر، أو براءات الاختراع، أو العلامات التجارية، أو الرسوم والنماذج الصناعية، أو المؤشرات الجغرافية، أو الأسرار التجارية، ولكن الآن أصبح ذلك أمرا ثانويًا وأصبحت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية هي الأهم، ومع ذلك تعتبر أيضا الحماية القانونية مهمة، ولكنها لم تعد غاية في حد ذاتها، بل أداة لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية بالمجتمعات التي يوجد بها أصحاب الملكية الفكرية.

 

وهو الأمر الذي جذب انتباهي لعرض بحث تم تقديمه في أحد المؤتمرات الدولية بدولة البرتغال للباحثة البلغارية د. بنار كاظم عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للملكية الفكرية، وفيه عرضت كيف يتضاءل نصيب الاقتصاد التقليدي أمام التنامي الكبير لاقتصاد المعرفة، ففي السابق كانت العوامل الأساسية للإنتاج في الاقتصاد التقليدي هي الأرض والأيدي العاملة ورأس المال، أما الآن أصبحت المعرفة الفنية والإبداع والذكاء والمعلومات مقومات الاقتصاد الحديث القائم على المعرفة والذي أصبح المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي في الدول المتقدمة.

 

ويعتمد الاقتصاد المعرفي على الملكية الفكرية التي أصبحت في وقتنا الحاضر تحقق منافع اقتصادية واجتماعية للمجتمعات القائمة عليها، والتي لولا حماية حقوق الملكية الفكرية لما تحققت هذه المنافع.

 

فلو نظرنا إلى الجوانب الاقتصادية للملكية الفكرية، نجد أن الملكية الفكرية تكتسب قيمة وتولد تدفقات مالية كبيرة يصعب على الأصول المادية تقديمها لمالكها، أسوة بما في شركات التكنولوجيا مثل أبل ومايكروسف وألفابت التي تجاوزت قيمة الواحدة منها 2 تريليون دولار وأصبحت الأعلى قيمة سوقية وأرباحا في العالم، حيث نجد أنه لا توجد حدود لقيمة الملكية الفكرية ولا للتدفقات المالية التي تحققها،  كما أنها لا تستنفد من الناحية الكمية والعددية كما يحدث مع الأصول المادية، وأيضا لا تحتاج في بعض الأحيان إلى استثمارات ضخمة لتوليد ملكية فكرية عالية القيمة ومع ذلك نجد أنها تحقق عائدات ضخمة إذا تم إدارتها بشكل صحيح، حيث نجد أن الشركة التي تدير أصول الملكية الفكرية بها بكفاءة هي التي تكتسب قدرة تنافسية وسط منافسيها على المستوى المحلي والدولي محققةً النجاح التجاري عالميًا والتقدم والاستدامة لاقتصادها الوطني.

 

أما بالنسبة للجوانب الاجتماعية للملكية الفكرية فنجد أنه على الرغم من أن حقوق الملكية الفكرية تعمل لصالح صاحبها من خلال إعطائه الحق الحصري في استغلالها ليتمتع بالمرود المادي بناء على المخاطر والأعباء التي تحملها للوصول إليها، ومع ذلك نجد أن الملكية الفكرية كنظام تم إنشاؤه ليعمل في صالح رفاهية أفراد المجتمع والتنمية والتقدم والازدهار، فعندما يتم إدارتها بشكل صحيح فإنها تعمل على توفير التوازن بين المصالح الخاصة لمالكها والمصالح العامة للمجتمع، وذلك من خلال ضمان الحقوق الحصرية للمبدع مالك الملكية الفكرية من جهة، وضمان تطور العلوم والفنون والابتكار الذي يصب في مصلحة تقدم المجتمع ورفاهيته من جهة أخرى. فبدون جهود الأفراد المبدعين، لا يمكن للمجتمع أن يتطور ويمضي قدمًا.

 

حيث تنص منظمة التجارة العالمية على أن الهدف الاجتماعي لحماية الملكية الفكرية هو تشجيع العمل الإبداعي ومكافأته، لضمان حماية نتائج الاستثمار في تطوير التكنولوجيات الجديدة، وبالتالي توفير الحافز لتمويل البحوث والتطوير، حيث يساعد التطور التكنولوجي على تحقيق الأهداف الوطنية في مختلف المجالات مثل التعليم والصحة وتوفير فرص العمل.

 

ومثال على الآثار الاقتصادية والاجتماعية للملكية الفكرية عندما نطالع أحدث تقرير لمكتب الولايات المتحدة للبراءات والعلامات التجارية، والذي فيه أن الصناعات كثيفة الملكية الفكرية تمثل 41% من الناتج المحلي الإجمالي بالولايات المتحدة، بمعدلات نمو لهذه الصناعات وصلت في 2019 إلى خمسة أضعاف معدل نمو الاقتصاد المحلي بأكمله، كما كانت سببًا في توفير 62.5 مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة بما يعادل 44% من إجمالي العمالة في الولايات المتحدة في عام 2019، كما تحقق هذه الصناعات رواتب أعلى من نظيرتها في الأنشطة التقليدية.

 

وفي تقرير آخر لأحد مكاتب الملكية الفكرية بكندا أن القيمة المضافة التي تولدها الملكية الفكرية في الولايات المتحدة تبلغ 9.43 تريليون دولار، وأن أصول الملكية الفكرية تمثل 70٪ من أصول الشركات وأكثر من 70٪ من قيمة الأسهم في الولايات المتحدة. والأمر مشابه في البلدان المتقدمة الأخرى، حيث نجد أن الصناعات القائمة على الملكية الفكرية تمثل 51% من الاقتصاد الكندي، و45% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي كما تمثل 90% من صادرات الاتحاد الأوروبي محققة فائضًا تجاريًا بلغ 182 مليار دولار في عام 2016.

 

الأمر الذي يبرز الأهمية البالغة للملكية الفكرية إذا أردنا فعلا أن نتحول إلى اقتصاد معرفي قائم على الابتكار لدفع عجلة الاقتصاد المصري وتحقيقِ أهدافِ التنمية المستدامة في إطار "رؤية مصر 2030" على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، والذي يستلزم منا التفعيل الحقيقي للاستراتيجية الوطنية للملكية الفكرية أسوة بنماذج الدول التي استعرضناها التي استطاعت تحقيق التنمية والرفاهية لشعبها من خلال الاستغلال الأمثل للملكية الفكرية لديها.


-