أصبح التجاذب السياسي بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي داخل الولايات المتحدة الأمريكية، هو السمة المؤثرة على أي نقاش لقضايا الدولة، سواء كانت محلية، أو خارجية، وتعد أزمة استخدام الغاز الطبيعي، كوقود للطهي داخل المنازل أحدث تلك الصراعات بين الحزبين، ففي الوقت الذي يسعى الديمقراطيين لزيادة مساحة حظر استخدامه داخل مدن أمريكا، يرفض الجمهوريون ذلك.
والسؤال الأهم الذي تكشفه تلك الأزمة، هو هل بالفعل استخدام الغاز الطبيعي في الطهي، له آثار بيئية كبيرة تزيد من الاحتباس الحراري كما يروج مدافعي المناخ في الإعلام الأمريكي، ويؤيدهم الديمقراطيين، أم أن الأمر له أهداف أخرى، سواء كانت سياسية، أو اقتصادية، وما هى خطوات الحكومة الأمريكية لتحجيم استخدام الغاز داخل المنازل .. وهنا يكشف التقرير تلك التفاصيل
بداية الأزمة .. وكيف استغلها المحافظون
بدأت فكرة الحظر الفيدرالي لاستخدام الغاز الطبيعي في طهي الطعام بتعليقات من أحد أعضاء لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية الخمسة، ريتشارد ترومكا جونيور، الذي قال إن الوكالة يجب أن تضع لوائح جديدة بشأن انبعاثات مواقد الغاز ولا ينبغي أن تستبعد إنهاء مبيعات المنتج، وهو ما دفع الجمهوريين البارزين وحلفاء النفط والغاز إلى الهجوم على تلك الخطوة، واصفين إياها بالمثال الصارخ للتدخل الليبرالي في حياة البشر.
ورغم الإعلان الواضح لإدارة الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بادين برفض فكرة الحظر على بيع مواقد الغاز، إلا أن الهجوم الجمهوري استمر، حيث انتقد السناتور جو مانشين فكرة حظر مواقد الغاز، قائلا: "سيكون كارثة"، وفي المقابل قالت السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارين جان بيير، إن الرئيس لا يؤيد الحظر أيضًا، وفق تقرير نشرته صحيفة بوليكيكو الأمريكية.
عاصفة إعلامية محيطة بمواقد الغاز والآثار البيئية للأجهزة
ومع ذلك ، فإن هناك عاصفة إعلامية هبت داخل وسائل الإعلام الأمريكية، حول مواقد الغاز، وتسليط الضوء على الآثار البيئية للأجهزة والسياسات الحالية التي تحكمها، وأصبحت التساؤلات داخل وسائل الإعلام عن آثار وأضرار تلك الطريقة في الطهى على البيئة، وما هي الوسائل الأفضل.
وساهم في انتشار تلك الحملة، قرارات بعض المدن داخل الولايات المتحدة بحظر استخدام الغاز الطبيعي، في المقابل اتخذت ولايات أخرى – معظمها يحكمها جمهوري – باتخاذ قرار يجبر المدن على عدم جواز هذا الحذر، وبالطبع لم تخلوا وسائل الإعلام من نشر دراسات علمية حول الأزمة.
هل استخدام الغاز الطبيعي بالفعل خطر على البيئة؟
ويبرر نشطاء المناخ قرار فرض حظر على مباني الوقود الأحفوري، بأن حرق هذا الوقود يولد شريحة من انبعاثات مضرة بالبيئة، وإن كانت نسب الانبعاثات تختلف حسب طريقة الاستخدام، فالطهي يولد انبعاثات بنسبة 13% من انبعاثات الاحتباس الحراري في الموقع المحيط بالمباني الأمريكية، وذلك وفقًا لإدارة معلومات الطاقة، بينما 68% من الانبعاثات تنبع من تدفئة الأماكن ، بينما تأتي 19 في المائة من تسخين المياه.
وتشير بعض الدراسات، بما في ذلك دراسة نشرها علماء جامعة ستانفورد العام الماضي، إلى أنه بفحص تسرب الميثان من مواقد الغاز، خلصت إلى أن تأثير الاحترار العالمي قد يكون أعلى بكثير مما كان يُعتقد سابقًا - أي ما يعادل انبعاثات نصف مليون سيارة، لكن علماء البيئة ومجموعات الصحة العامة يركزون في الغالب على جودة الهواء الداخلي باعتبارها المشكلة الرئيسية في مواقد الغاز ، بدلاً من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.
وفي أكتوبر، على سبيل المثال، قدمت العديد من المجموعات البيئية والطاقة النظيفة التماسًا إلى وزارة الإسكان والتنمية الحضرية لبدء التخلص التدريجي من مواقد الغاز وأجهزة الوقود الأحفوري الأخرى في الإسكان العام، قائلة: "إن ذلك سيحدث تحسينات جذرية في الصحة والسلامة والرفاهية، لحوالي 900000 أسرة أمريكية"، بينما طالب أخرون ببيع مواقد الغاز مع ملصقات التحذير ومتطلبات التهوية الأفضل.
الجهة المقابلة .. 47 دولة تستخدمه
ورفض المدافعون عن صناعة الغاز أي علاقة بين المخاطر الصحية واستخدام مواقد الغاز ، مشيرين في بعض الأحيان إلى دراسة أجريت عام 2013 على أساس استبيان من 47 دولة لم يظهر أي ارتباط بين غاز الطهي والربو.
تلك خريطة استخدام مواقد الغاز داخل أمريكا
وعن مدى انتشار الغاز الطبيعي كوقود داخل المنازل، فإن 38% من الأسر في البلاد تستخدم الغاز الطبيعي للطهي، وذلك وفقًا لبيانات التعداد من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ومع ذلك، هناك درجة كبيرة من التباين الإقليمي، ففي أربع ولايات "نيوجيرسي – كاليفورنيا - إلينوي – نيويورك"، يطبخ ما يقرب من 60 إلى 70% من المنازل بالغاز، فيما تنخفض النسبة إلى أقل من 20% في تسع ولايات أخرى ، تقع معظمها في الجنوب.
وعلى الصعيد العام داخل الولايات المتحدة الأمريكية، تظل الكهرباء أكبر مصدر للطاقة المستخدمة في الطهي، فمن بين 123 مليون أسرة أمريكية شملها المسح ، قال أكثر من النصف - 65 مليون، إنهم عندما استخدموا "نطاقهم" - الفرن والموقد - كانت الكهرباء مصدر الطاقة الأكثر استخدامًا.
الأغنياء يفضلون الغاز الطبيعي
وتشير بيانات التعداد أيضًا إلى وجود علاقة بين الدخل ووقود الطهي، حيث تظهر أن الكهرباء من المرجح أن تكون وقود النطاق الأكثر استخدامًا للأسر التي يتراوح دخلها سنويًا أقل من 99000 دولار، فيما كان أصحاب الدخل فوق مستوى الدخل البالغ 99 ألف دولار ، تبدأ حصة الغاز في السوق في الارتفاع، حيث ينتشر الغاز أيضًا عندما يكسب السكان 150 ألف دولار أو أكثر.
وفي أواخر العام الماضي، قال تحالف جديد من الطهاة والشركات العقارية وخبراء الصحة العامة وغيرهم، المعروف باسم (Global Cooksafe Coalition)، إنهم سيعملون على الترويج للتحريض لاستخدام الغاز للطهي.
يميل دعاة الكهربة أيضًا إلى افتراض أن الحث هو ما سيشتريه أصحاب المنازل إذا كانوا يستفيدون من تخفيضات الموقد الكهربائي الجديدة المنصوص عليها في قانون الحد من التضخم.
الغاز الطبيعي ما بين الحظر المحلي والحظر الفيدرالي
من المحتمل ألا يحدث حظر فيدرالي على مبيعات مواقد الغاز في أي وقت قريب، لكن بعض المدن الأمريكية تسير بالفعل على هذا الطريق، وفرض حظر محلي من جهتها على استخدام الغاز الطبيعي، ففي عام 2019، أصدرت مدينة بيركلي بولاية كاليفورنيا أول حظر في البلاد على توصيلات الوقود الأحفوري في المباني الجديدة بقانون جعل مواقد الغاز محظورة على المساكن الجديدة.
وسرعان ما اتبعت العشرات من المدن في كاليفورنيا خطى بيركلي، وكذلك توقفت المدن الكبرى في أجزاء أخرى من البلاد - بما في ذلك مدينة نيويورك وسياتل وواشنطن العاصمة - عن السماح للمباني الجديدة باستخدام الوقود الأحفوري، فيما دعت حاكمة نيويورك الديمقراطية كاثي هوشول إلى إنهاء مبيعات مواقد الغاز وغيرها من أجهزة تسخين الوقود الأحفوري في المنازل بحلول عام 2030.
وفي بعض المدن مثل سياتل، اختار صانعو السياسة حظر الوقود الأحفوري لاستخدامه في الفضاء وتسخين المياه، معتبرًا أن تطبيقه على مواقد الغاز قد يكون خطوة بعيدة جدًا بالنسبة للجمهور حاليا، وبعد فوز الديمقراطيين بثلاثية في ماساتشوستس وماريلاند، وعد دعاة حماية البيئة بدفع المشرعين لإعادة النظر في مشاريع قوانين حظر الغاز التي فشلت في الجلسات السابقة، وذلك رغم المعارضة لهذا الأمر من شركات البناء ومرافق الغاز.
رد فعل عنيف
في المقابل كان هناك ردة فعل عنيف من قبل الجمهوريين، فبعد حظر بيركلي، أصدرت 20 ولاية يسيطر عليها الجمهوريون قوانين تحظر على المدن تقييد استخدام الوقود الأحفوري في المباني، وهذه القوانين الوقائية، كما هي معروفة ، تغلق فعليًا أي طريق للمدن التي قد ترغب في حظر مواقد الغاز.
وكان حظر بيركلي أيضًا موضوع دعوى قضائية من جمعية مطاعم كاليفورنيا، والتي جادلت بأن قوانين الحفاظ على الطاقة الفيدرالية وقوانين الولاية تستبق الحظر المحلي، وزعمت الجمعية أن أصحاب المطاعم لم يتم تشجيعهم على فتح مواقع جديدة لأن المواقد الكهربائية لم تستطع تحضير أطعمة معينة بشكل مناسب - مثل اللحوم المشوية أو الأطعمة المطبوخة في درجات حرارة عالية في المقلاة.
ورغم أنه تم رفض هذه القضية في عام 2021 ، لكن استئنافها مستمر إلى الآن، وقد تم دعم الدعوى من قبل مجموعات تجارية وطنية قوية، ومن الرابطة الوطنية لبناة المنازل (NAHB)، وكذلك جمعية الغاز الأمريكية (AGA) ومعهد تكييف الهواء والتدفئة والتبريد (AHRI)، وجميعهم قدموا مذكرات تحذر من الحظر المفروض على مواقد الغاز والأجهزة الأخرى، ومازالت القضية والمعركة مستمرة.