يبدو أن ما يسمى بوقف إطلاق النار بالنسبة للكيان الإسرائيلي، هو اتفاق استباحة وإطلاق نار. فهو ليس معني بكلمة "وقف". إنه الستار الرقيق، الذي يخفي خلفه آلة الاحتلال المتوحشة، أكثر صياغته دموية. فكل رقم في تقارير القتل والاعتداءات داخل السجون الإسرائيلية، وكل طلقة علي ما يسمي الخط الأصفر في غزة، وكل اجتياح للضفة، وكل صاروخ إسرائيلي، اخترق الضاحية الجنوبية لبيروت، واغتال ودمر. يكشف حقيقة واحدة. أن العدوان الإسرائيلي، لم يتوقف قط. بل أعاد تشكيل نفسه، كمنظمة عنف إقليمية، تدار بدم بارد. فالخيام الغارقة بالمطر في خان يونس، وصرخات الأسري، والمنازل المحترقة في بيت لحم، وصدي الانفجارات في قلب بيروت. كلها ليست وقائع متفرقة. بل أجزاء من هندسة قمع واحدة. وإرهاب واحد. المسألة لم تعد هل ستستمر تل أبيب، في خرق اتفاق وقف الأعمال العدائية في لبنان وغزة؟. هي ستستمر بالفعل. المسألة باتت هل يملك العالم القدرة الأخلاقية والإنسانية، علي مواجهة هذا النظام العبثي، الذي يمارس الاعتداء والحرب، وهو يرتدي قناع السلام؟. وهل العلاقة الخاصة بين واشنطن وتل أبيب، اليوم تتهاوي فعلا؟.
لقد وصلت المنطقة، إلي لحظة مفصلية. صراع يتجاوز الجغراقيا ويمتحن كل من ظن أنه خارج اللعبة. هنا يبدأ الاختبار الحقيقي، من يصنع الموج ومن سيغرق عندما يعصف التيار؟. ما يجري اليوم في إسرائيل، لم يعد صراعا سياسيا، أو أزمة عابرة. بل لحظة تفكك داخلي يغير وجه الكيان من الداخل. حكومة محاصرة تنشيء لجان تشبه محاكم التفتيش. تعين رؤساء أمنيين في ظلام مطبق. وتلوي ذراع القضاء، حتي يتصدع. المنشأت التي أسست لتكبح السلطة، باتت درعا لها.
المنطقة تتحرك وتغلي بلهيب النيران والاعتداءات الإسرائيلية، غير الآبهة بأي اتفاق. ولو برعاية أمريكية. وواشنطن تعيد الحسابات. وأوروبا تتململ. والإقليم يتحرك علي ايقاع جديد. وتل أبيب، تفقد مركزيتها. بينما العفن الداخلي يطفو علي السطح. مع هذا المشهد من الخداع الممأسس، وإنهيار الضوابط وتغير موازين القوي والفوضي. يبقي السؤال الحاكم. هل يستطيع كيان أن ينجو حين يصبح حراسه مشغولين بحماية أنفسهم؟.