الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

200 ألف تحت الأنقاض .. الناجون من زلزال تركيا يعانون الجوع والبرودة

زلزال تركيا
زلزال تركيا

إن كنت تتألم لما سمعت وشاهدت من تفاصيل وتوابع زلزال تركيا، فأعلم أن ما ستكشفه الأيام من مآسٍ قد يفوق ألما مما تنشره وسائل الإعلام خلال الأسبوع الماضي، فمازالت الأنقاض تخبئ تحتها الكثير، وهاهي مآسي من نجا من الموت بدأت تتكشف، فبعد أن ضاقت بهم الأرض، وتزلزلت من تحتهم، أصبح حالهم صعبا في ظل عدم وجود أساسيات الحياة، وآلام الجوع بدأت تدب في أجسادهم.

وزاد من آلام الجوع، الطقس شديد البرودة، وعدم وجود أغطية كافية لهم ولأولادهم، وسط انشغال الجميع بالبحث عن أحياء وسط الركام، وحالة الارتباك التي تعاني منه السلطات التركية لضخامة وفظاعة الكارثة، ومازالت مساعدات العالم تتدفق على تركيا، ولكن العوائق كبيرة في وصولها إلى مستحقيها مع حالة الانعزال التي تعاني منه المناطق المنكوبة نتيجة تهدم الطرق والكباري وتهدم آلااف المنازل.

لا يوجد شيء هنا نأكله

"لا يوجد شيء هنا نأكله لا يوجد غاز ولا تدفئة ولا كهرباء .. ليس لدينا نقود أو أي من بطاقاتنا، ننتظر في الطابور طوال الصباح وبحلول الغداء لم يتبق طعام " .. هكذا قال جندي في منتصف العشرينيات من عمره يدعى فارس، فر من مدينة أنطاكيا التي تضررت بشدة، وطلب عدم الكشف عن هويته إلا باسمه الأول لأنه لا يزال عضوًا نشطًا في الجيش التركي ويواجه عقوبة إذا انتقد الحكومة، ويقول فارس إن عائلته بالكاد تستطيع الوصول إلى الحمامات لخطوط المياه ، لأنه لا توجد مرافق كافية في الاستاد البلدي لمئات الأشخاص الذين يقيمون هناك مؤقتًا.

ففي مخيم للنازحين داخل الملعب البلدي في وسط مدينة غازي عنتاب ، جنوب شرق تركيا ، تقول العائلات التي دمرها الزلزال الذي بلغت قوته 7.8 درجة هذا الأسبوع إنها تكافح من أجل البقاء، وفي مخيم أقامه ذراع الإغاثة في تركيا، وفي مستوطنات مؤقتة في الحقول المحيطة به، يقول الناجون من الزلزال إنهم لا يملكون ما يكفي من الطعام أو الماء أو التدفئة أو المرافق الأساسية للبقاء على قيد الحياة، وفق تقرير نشرته صحيفة NPR الأمريكية.

13.5 مليون شخص بالمنطقة المنكوبة 

وفقا للأرقام الرسمية الصادرة من الحكومة التركية، فإن المناطق المتضررة من زلزال يوم الاثنين، هي موطن لما يقدر بنحو 13.5 مليون شخص، بما في ذلك ما يصل إلى مليوني لاجئ ، معظمهم من سوريا، وقد أسفر الزلزال عن مقتل أكثر من 25 ألف شخص في تركيا وسوريا ، بحسب وكالة أسوشيتيد برس ، وإصابة عشرات الآلاف.

أسفر الزلزال عن تدمير عشرات الآلاف من المباني، فيما فر العديد من سكان المناطق الأكثر تضررا -  بما في ذلك أنطاكيا والقرى التابعة حول غازي عنتاب – حيث توجهوا إلى مناطق مثل وسط مدينة غازي عنتاب التي لم تتضرر نسبيًا، وذلك وفق ما نشرته الصحيفة الأمريكية.

5 أيام ولايزال 200 ألف محاصرين تحت الأنقاض

ورغم مرور خمسة أيام من الزلزال، إلا أن آثار الزلزال لم تتكشف بعد، حيث لايزال هناك أكثر من 200 ألف شخص محاصر تحت الأنقاض، وقد تعرضت الحكومة التركية في عهد الرئيس رجب طيب أردوغان لانتقادات على نطاق واسع بسبب رد فعلها السريع وغير الفعال، خصوصا وأن العديد ممن نجوا يكافحون من أجل تلبية احتياجاتهم الأساسية.

وينتمي مئات الأشخاص في هذه المخيمات إلى القرى المحيطة بمدينتي غازي عنتاب وهاتاي، وفي قرى مثل نورداجي والإصلاحية وبازارجيك، انهارت مناطق صغيرة تابعة وشوارع وأحياء بأكملها وتحولت إلى أنقاض، وفي وقت متأخر من ليلة الخميس في نورداجي ، قال عامل إنقاذ يدعى أوزغور، إن فريقه لم يعد يتوقع العثور على أي شخص على قيد الحياة تحت الأنقاض، وهو يعمل في شركة قابضة كبيرة للبناء، ويطلب فقط ذكر اسمه الأول خوفا من الانتقام لتقديم المساعدة دون موافقة حكومية مباشرة.

العائلات بملابس النجاة ينامون بجوار بعضهم بحثا عن التدفئة 

وتابع أوزغور: "هناك ما بين 30 إلى 40 شخصًا هناك تحت هذا المبنى الذي انهار وهو مكون من ستة طوابق، ولكن لن يخرج أي منهم حيا، وفي المخيمات ، يواجه الناس نوعًا مختلفًا من الخطر، حيث تتكدس في خيام بيضاء أقامتها ذراع الإغاثة في حالات الكوارث والطوارئ في تركيا ، والمعروفة باسم AFAD، وتنام العائلات المكونة من ثمانية أفراد أو أكثر على مراتب رغوية على الأرض، اجتمعوا في الملابس التي كانوا يرتدونها وقت وقوع الزلزال ، وفي البطانيات الملونة المتبرع بها ، واجتمعت الأمهات والبنات والإخوة والآباء للتدفئة".

ويبدو أن الصراعات السياسية ألقت بظلالها على الأوضاع، حيث قالت إدارة الكوارث والطوارئ التركية، إنها نشرت عشرات شاحنات الطعام ومئات الآلاف من الوجبات ، لكن سياسيين معارضين وأفراد من الجمهور أدانوا رد المنظمة على نطاق واسع.

آثار الألم على الوجوه .. جراحات النجاة من الأنقاض لم تلتئم 

وهنا شاب ووالدته ، وأخواته الثلاث ، وشقيقه وزوجته ، جميعهم لديهم دوائر سوداء عميقة تحت أعينهم، تغطيها جروح من الركام المتساقط، وأيديهم مغطاة بقطوع عميقة من حيث حفروا بعضهم البعض من منزلهم المنهار، وأقدامهم مقطوعة منذ أن خرجوا أخيرًا واضطروا إلى إيجاد طريقهم عبر الأنقاض في البرد بدون أحذية .. هكذا تصف مراسلة الصحيفة الأمريكية حال إحدى الأسر المتضررة. 

قاموا بتبادل نوبات النوم في السيارة وفي الشارع في أنطاكيا لمدة ثلاثة أيام قبل القيادة إلى مخيم غازي عنتاب ، على بعد حوالي 100 ميل، حيث أبلغتهم الشرطة في أنطاكيا أنه يتعين عليهم الإخلاء ، وأن بإمكانهم العثور على مأوى وطعام في غازي عنتاب، والآن ، يقول الشاب إنه يتخوف مما هو قادم، ويوضح أنه في غازي عنتاب ليس لديهم طعام ولا نقود ولا بطاقات ائتمان ولا شكل من أشكال التعريف ولا توجد لديهم أي طريقة لوضع خطة.

وأكمل أنه في اليوم السابق مشى إلى محطة الوقود المجاورة للمخيم ومعه كوب بلاستيكي ليرى ما إذا كانوا سيعطونه شيئًا ليأكله أو يشربه، ولكنه عاد ومعه فنجان فارغ، وتابع: "لا نعرف سبب وجودنا هنا، فليس لدينا شيء، ولا نعرف سببا لحضورنا إلى هنا، فهنا في المخيم المؤقت الذي أقيم في ملعب رياضي خارج ملعب غازي عنتاب ، الوضع مريع جدا.

الأكراد آلامهم مضاعفة ... مشاكل أمنية وقانونية تزيد من الكارثة

وهنا، أقامت العديد من العائلات المهاجرة الكردية الخيام التي يستخدمونها عادة خلال موسم الزراعة، ويقول جينكو دمير، الذي نظم انتقال مجتمعه إلى هذا الحقل، إن الحكومة تخلت عنه ومزارعين آخرين، ففي حيهم الفقير، على بعد أقل من ميلين، يقولون إن أحداً لم يأت لتفتيش أو إصلاح منازلهم التي تضررت من الزلزال.

ويكمل: "ليس لدينا فحم ، وليس لدينا طعام ، وليس لدينا أي شيء، وعلينا إطعام الأطفال، فساعدونا"، فيما كانت هناك حياة جيزر، امرأة تبلغ من العمر 45 عامًا تحمل وشمًا كرديًا تقليديًا على ذقنها وحجابها الأسود، حيث قالت إن المجموعة تواجه ضغوطًا إضافية ناتجة عن المشكلات القانونية، وإن العديد من أفراد مجتمعهم سُجنوا بسبب جرائم تتراوح بين السرقة إلى المساعدة في الإرهاب والتحريض عليه، وقد سجنت ابنتى في منطقة الإصلاح التي تضررت بشدة جراء الزلزال، ولا أعرف ما إذا كانت على قيد الحياة.

وجنوب شرق تركيا منطقة ذات أغلبية كردية، حيث هناك صراع مع الحكومة التركية قائم منذ أربعة عقود، فهناك الصراع دمويا مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي المسلح، وقد أدى ذلك إلى اضطهاد العديد من الأكراد بسبب صلات مزعومة بالجماعة، لذلك فإن اليأس في هذا المخيم واضح، لدرجة أن هناك شاب حاول أن يأخذ الخبز من خيمة جاره، وترتب على ذلك قتال عنيف.