الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

ما هو فضل العمل في الإسلام .. وكيف واجه مشكلة البطالة؟

العمل في الإسلام
العمل في الإسلام

فضل العمل في الإسلام .. يحتفي عمال مصر والعالم بـ عيد العمال وعيد العمل العالمي، وبهذه المناسبة يكثر البحث عن فضل العمل في الإسلام، ومتى يكون العمل عبادة مقبولة؟ وكيف واجه الإسلام مشكلة البطالة والمتعطلين؟

وفضل العمل في الإسلام عظيم، حيث يعد العمل عبادة عظيمة دعا القرآن الكريم إليها ورغب في اتقانها، لقوله تعالى: “ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون”، وعن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها»، وهو ما يدعونا إلى العمل والإنتاج وتحقيق النفع للبشرية حتى في آخر لحظات الحياة.

العمل عبادة

فضل العمل في الإسلام

العمل في الإسلام قيمة في ذاته، وقد حث شرعنا الحنيف على العمل فقال تعالى: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله»، وهو مدار التقييم والحكم على الإنسان في الدنيا حتى فيما يتعلق بدرجة التدين، فقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان»، ولا يكتمل الإيمان ولا يسلم الاعتقاد من دون العمل، لقوله – صلى الله عليه وسلم: «الإيمان ما وقر في القلب وصدّقه العمل».

ويقول الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الأسبق، إنه لا يوجد في ميزان الشرع عمل للعبادة وعمل للعادة، بل العادة تكون في ميزان العبادة إذا قُرنت بنيتها، لما روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «إنك لا تعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا أُجرت عليه حتى ما يجعل الرجل في زوجته». وأعمال المعاش أكثر ثوابا من نوافل العبادات، فقد رأى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صحابيا ملازما للمسجد يكاد لا يخرج منه فسأله: ألك زوجة؟ قال: نعم. فقال: ألك ولد؟ قال: نعم. فقال: من يطعمهم؟ قال: أخي. فقال: هو أعبد منك.

وتابع شومان : هكذا ينظر الإسلام إلى العمل كقيمة في ذاته مكمل لإيمان المرء ودليل على صدق اعتقاده وضرورة للمعاش وتنمية البشر، ولذا فإن أعمال العادة لا تنقطع ولا ترفع عن عابد مهما بلغ من منزلة ولو شهد له الخلق أجمعين أنه أعبد أهل الأرض في زمانه، ولو كانت ترفع عن أحد كما يزعم بعض الجهلاء لكان أولى بها من ضمن له ربه الفردوس الأعلى غافرا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو رسولنا الكريم الذي كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه، ويصوم حتى يظن الناس أنه لا يفطر، ويعطي عطاء من لا يخشى الفقر، وحين كان يُطلب منه - صلى الله عليه وسلم - الترفق بنفسه حيث غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كان يقول: «أفلا أكون عبدا شكورا؟!».

وبين أن العمل قيمة في ذاته حيث إن السعي على الرزق يعد من العبادة ما دام صاحبه نوى به القيام بواجباته نحو من يعول وإغناء نفسه عن العوز ومذلة الحاجة والسؤال، بل هو قيمة في ذاته حيث يكون المرء نافعا لنفسه ومجتمعه وفاعلا في بنائه ورقيه.

كيف واجه الإسلام مشكلة البطالة؟

وأوضح وكيل الأزهر الأسبق، أن البطالة عيب في حق صاحبها وإن كان غنيا ليس في حاجة للمال متى وجد سبيلا للعمل، وكل عمل يجعل المرء فاعلا في مجتمعه نافعا لنفسه أو لغيره أو لهما معا مما لا يضر بالغير ولا يبتعد عن دائرة المشروع، هو عمل مقدر في شريعتنا يرفع من شأن صاحبه ولو كان من الأعمال الدنيا في ميزان الناس، فلا ينقص من قيمة حامل المؤهل العالي أو الدرجة العلمية أن يعمل في أي عمل يغنيه عن سؤال الناس ولو كان بسيطا وغير مناسب، وذلك لأن قبوله لعمل في غير مجال تخصصه هو أشرف له من سؤاله الناس واعتماده على الغير في انتظار عمل يناسبه وإن كان أباه أو أمه، فضلا عن إخوته أو أخواته أو سائر قرابته أو غيرهم، وقد لا يأتي هذا العمل حتى بلوغه سن المعاش. ومن ثم، يجب على الإنسان أن يغني نفسه ومن يعول ذل الحاجة والسؤال بالعمل الحلال وإن كان بسيطا وغير مناسب، كما يجب على المعنيين وضع الخطط التي تكفل الاستفادة في التخصصات المختلفة من أصحاب المؤهلات العليا والدرجات العلمية الذين قضوا رحلة طويلة وشاقة للحصول على هذه الشهادات، أما هؤلاء الذين لا يقبلون بأعمال لا تتناسب ومؤهلاتهم العلمية ويرضون بالاعتماد على غيرهم منتظرين قطار التعيين.

وساق وكيل الأزهر لهم قصة معبرة: بينما كان الأصمعي - وهو من هو في اللغة والأدب وغيرهما - يسير ذات يوم، سمع أحد الفتيان يقول وهو ينظف كنيفا - قبل ظهور الحمامات الحديثة الآن - ويستخرج القاذورات منه ليكون صالحا للاستخدام: أضاعوني وأي فتًى أضاعوا ليوم كريهة وسداد ثغر

ولفت “شومان” إلى أن هذا البيت من قصيدة لشاعر فارسي عاش مدافعا عن قومه حتى وقع في الأسر فظن أنهم سيهبون لتخليصه، لكنهم لم يهتموا لأمره وتركوه حتى كاد يموت، فأنشد هذه القصيدة راثيا نفسه، فقال الأصمعي للغلام: يا فتى، ما لك أنت والثغور؟ إن كنت تقصد أنك أهل للكنف فذاك. فقال الفتى: أصون نفسي أن تهان. فزاد استغراب الأصمعي فرد عليه قائلا: يا فتى، إن كانت نفسك عزيزة عليك حقا، فلمَ وضعتها في هذا المكان؟! وهل هناك أقذر منه يمكن أن تهينها فيه؟! قال: نعم: فقال الأصمعي متعجبا: فما هو؟! قال الفتى: الحاجة إليك وإلى أمثالك! فسكت الأصمعي.

فضل العمل

فضل العمل في الكتاب والسنة

حَثّ الإسلام على العمل بصور عدة في القرآن والسنة منها: اقوله -تعالى-: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ‌ مَعَاشًا)، وفي هذه الآية بيان من الله بأنّه جعل للبشر النهار مُضيئاً؛ ليتمكّنوا من العمل، والسّعي ابتغاء تحصيل رزقهم، ومعاشهم.

كذلك قوله -تعالى-: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، وهذا بيان من الله أنّه لا بُدّ للمسلم من الموازنة بين أمر دينه ودُنياه؛ فأوجب عليه الصلاة، ولكنّه أباح له بعدها أن يذهب إلى عمله، ويسعى إلى تحصيل رزقه، مع عدم نسيانه ذِكرَ لله، فيبقى مُراقباً لله في عمله.

ومنه قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ)، وفي هذه الآية حثٌّ من الله -تعالى- على التصدُّق من المال الذي يحصل عليه الإنسان من خلال عمله، وكسب يده، مع ضرورة تحرّي أن يكون الكسب حلالاً طيّباً.

ومن الأحاديث النبوية التي تحث على العمل وردت عن النبي: (أفضلُ الكسْبِ بيعٌ مبرورٌ، وعملُ الرجلِ بيدِه)، وفيه بيان من النبيّ أنّ أفضل طرق العمل هي ما يؤدّيه الإنسان بنفسه، وبعمل يده؛ لأنّها سُنّة الأنبياء، كزكريّا -عليه السلام-، فقد كان نجّاراً، وألّا يكون في العمل شيء من الغشّ، والخيانة

كما قال صلى الله عليه وسلم: (والَّذي نفسي بيدِهِ لَأن يأخذَ أحدُكم حبلَهُ فيحتطِبَ على ظَهرِهِ خيرٌ لَهُ من أن يأتيَ رجلًا أعطاهُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ من فضلِهِ فيسألَهُ أعطاهُ أو منعَه)، وفيه إشارة إلى أنّ العمل يحفظ صاحبه من سؤال الناس، وإذلال نفسه لهم، وأنّ العمل مهما كان فهو يُعَدّ من سُنَن المُرسَلين.

كما قال صلى الله عليه وسلم: (التاجرُ الأمينُ الصَّدوقُ المسلمُ : مع النَّبِيِّينَ، والصِّدِّيقينَ، والشُّهَداءِ يومَ القيامةِ)؛ فالذي يقوم بعمله بأمانة، ويسعى فيه إلى الخير، فإنّه ينال الأجر والثواب في الدنيا والآخرة، وتكون منزلته يوم القيامة بمنزلة الأنبياء والشهداء.

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : (ما أكَلَ أحَدٌ طَعامًا قَطُّ، خَيْرًا مِن أنْ يَأْكُلَ مِن عَمَلِ يَدِهِ، وإنَّ نَبِيَّ اللَّهِ داوُدَ عليه السَّلامُ، كانَ يَأْكُلُ مِن عَمَلِ يَدِهِ)؛ وذلك لأنّ العمل فيه عفّة للنفس عن سؤال الناس، وإيصال المنفعة إليهم، وفيه إشغال للنفس عن المُحرَّمات واللهو، والقدوة في ذلك نبيّ الله داوود؛ فقد كان يعمل في صناعة الدروع.

قيمة إتقان العمل في الإسلام

يقول الدكتور أسامة فخري الجندي، من علماء وزارة الأوقاف، إن همة الإنسان الشريفة تأبي أن تدخل على عمل ولا تؤديه بحق الأداء، موضحا تحت عنوان "القرآن وعمارة الكون"، أن همة الإنسان الشريفة هي التي تدخل على أي مهنة أو حرفة وتؤديها أداء يتسم بالضبط والجودة والإتقان حتى نصل إلى التميز.

وأكد أن الله تعالى والقرآن الكريم دعوا إلى عمارة الكون وإتقان العمل، فيقول الله ( صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ) ويقول النبي (إن الله كتب الإحسان على كل شئ)، مشددا على أن قيمة الإتقان هي من لوازم الإتقان وصناعة الحضارة، حتى تتقدم صناعتنا ونكون من صفوف الدول المتقدمة.

وكما ورد عنْ جابر، إنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه ﷺ: مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْساً إلاَّ كانَ مَا أُكِلَ مِنْهُ لهُ صَدَقَةً، وَمَا سُرِقَ مِنْه لَه صدقَةً، وَلاَ يرْزؤه أَحَدٌ إلاَّ كَانَ لَهُ صَدَقَةً رواه مسلم.