أراد الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلم أن يُصَلِّي المسلم صلاته خاشعًا لله دون شواغل أو ملهيات؛ لذلك منع الناس من المرور بين يدي المصلِّي حتى لا يصرفون ذهنه عن صلاته؛ وقد روى البخاري عن أَبِي جُهَيْمٍ رضي الله عنه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ، لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ». قَالَ أَبُو النَّضْرِ -أحد رواة الحديث-: لاَ أَدْرِي، أَقَالَ: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ شَهْرًا، أَوْ سَنَةً.
حكمة النبي في منع المرور أمام المصلي
ولكي يُساعد المصلِّي نفسه على الخشوع، ولكي يُساعد الناسَ في تطبيق سُنَّة عدم المرور بين يدي المصلِّي، شَرَعَ رسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَّة جميلة، وهي سُنَّة الصلاة إلى سترة، وهذا يعني أن يضع المصلِّي أمامه شيئًا حائلًا يُصَلِّي إليه، فمَنْ أراد أن يمرَّ فليفعل ذلك من خلف السترة، وبذلك يحفظ المصلِّي خشوعه في الصلاة دون أن يُرهق الناس بانتظار انتهاء صلاته؛ فقد روى أبو داود -وقال الألباني: حسن صحيح- عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيُصَلِّ إِلَى سُتْرَةٍ وَلْيَدْنُ مِنْهَا».
وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا».
وروى البخاري عن أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَحِ، فَجَاءَهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَرَجَ بِلاَلٌ بِالعَنَزَةِ -أي العصا- حَتَّى رَكَزَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالأَبْطَحِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ».
وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: «كَانَ المُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ، حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ كَذَلِكَ، يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المَغْرِبِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ شَيْءٌ». والسواري هي أعمدة المسجد، وكانوا يُصَلُّون إليها كسترة.
ومن السُّنَّة أن يجعل المصلِّي السترة قريبة لئلاَّ يُضَيِّق على المسلمين طريقهم؛ فقد روى البخاري عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنهما، قَالَ: «كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ». وفي رواية أبي داود المذكورة آنفًا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. وَلْيَدْنُ مِنْهَا». أي من السترة، فلنحرص على هذه السُّنَّة المهمَّة.
هل تبطل الصلاة عند مرور شخص من أمام المصلي؟
قال الدكتور مجدي عاشور، المستشار العلمي لمفتي الجمهورية، إنه يشرع للإمام المنفرد اتخاذ سُّتْرَة، وهي ما يجعله المصلي أمامه من جدار، أو عمود أو كرسي وغيرها، ليمنع المرور بينه وبين سترته خلال صلاته.
وأضاف عاشور، فى إجابته عن سؤال «هل تصح الصلاة إذا مر شخص من أمامى؟»، أن السترة مشروعة للمنفرد والإمام، ولا مانع من المرور بين يَدَي صفوف المأمومين، بناءً على أن سترة الإمام تُعَدُّ سترة للمأمومين، وليس معنى ذلك أن المرور بين الصفوف يكون بلا ضابط ولا حاجة، بل ينبغي أن يكون ذلك عند وجود الحاجة إليه، كأن لا يستطيع الوصول إلى الميضأة أو إلى متاعه إلا بذلك، أو ليسُدَّ فُرجة في الصَفِّ، أو غير ذلك، وذلك حتى لا يُشغَل المصلون بغير حاجة معتبرة.
وأشار إلى أن الشخص وهو يصلى إذا كان منفردًا يستحب أن يتخذ ستره أمامه ومن أراد أن يمر فله أن يمر من خلف السترة ولو كان الشخص غير متخذ للسترة وإن أمكن الشخص الآخر ألا يمر فينتظر الى أن ينهي الإنسان صلاته، ولو كان هناك ضرورة تستدعي فيجوز أن يمر عند الضرورة، أما بالنسبة للشخص الذى يصلى ففى كل الأحوال صلاته صحيحة لكن عليه أن يتخذ سترة أمامه حتى لا يكون مقصرا.
وتابع: أن المصلي اذا مر أمامه أحد فلا تبطل صلاته وتكون صحيحه ولا شيء فيها، أما من يمر فيكون تجاوز لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه)).