الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

متى يكون دعاء الوسيلة؟.. فضله وطريقتان لنيل شفاعة النبي

النبي محمد صلى الله
النبي محمد صلى الله عليه وسلم

يغفل الكثيرون عن دعاء الوسيلة، متى يكون وهل يجوز بعد إقامة الصلاة، حيث ورد سؤال إلى دار الإفتاء المصرية يقول: هل يجوز بعد إقامة الصلاة وقبل تكبيرة الإحرام أن أقرأ دعاء الوسيلة «اللهم رب هذه الدعوة التامة...» إلخ؟

متى يكون دعاء الوسيلة

قالت الإفتاء في جوابها السائل: يستحب لمقيم الصلاة والسامع بعد انتهاء الإقامة أن يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسأل له الوسيلة، ومقيم الصلاة يُسمِع نفسه ذلك ولا يرفع به صوته.

قال الجلال المحلي في "شرح المنهاج" (1/ 150، ط. دار الفكر): [(وَ) يُسَنُّ (لِكُلٍّ) مِن الْمُؤَذِّنِ وَسَامِعِهِ (أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ: «إذَا سَمِعْتُم الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ». وَيُقَاسُ الْمُؤَذِّنُ عَلَى السَّامِعِ فِي الصَّلَاةِ (ثُمَّ) يَقُولُ: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته) لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ حَصَلَتْ. وَالْمُؤَذِّنُ يسْمعُ نَفْسَهُ] اهـ.

وقال الشيخ قليوبي في "حاشيته": [قوله: (ويستحب لكلٍّ من المؤذن وسامعه) أي والمقيم وسامعه، ولو أدخله في كلامه كما مرَّ لكان أَوْلَى] اهـ.

ودعاء الوسيلة أن يقول المسلم: (اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْته).

طريقتان لنيل شفاعة النبي

قال الدكتور محمد محمود أبو هاشم، نائب رئيس جامعة الأزهر الشريف، إن هناك طريقتين يحصل بهما المُسلم على شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم- دون أن يُسافر له ويزور قبره.

وأوضح «أبو هاشم»  أن زيارة قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- هي طريقة ينال بها المُسلم شفاعة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، مصداقًا لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لهُ شَفاعتي».
وأضاف أنه يمكن للمُسلم طلب شفاعة النبي والفوز بها دون أن يزور قبره، منوهًا بأن ذلك يتحقق بطريقتين، أولهما الإكثار من الصلاة والسلام عليه، في هذه الأيام المباركة، حيث وكل الله سبحانه وتعالى ملكًا ليبلغ عن المُسلم الصلاة والسلام إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

أما الطريقة الثانية، فهي ترديد «اللهم أتي محمدًا الوسيلة والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه اللهم مقامًا محمودًا الذي وعدته، إنك لا تُخلف الميعاد»، عند سماع النداء، مستشهدًا بما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ، وَالصَّلاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، أي أنه يكون كمن زار النبي وجبت له الشفاعة.

الفرق ما بين الوسيلة والشرك

قالت دار الإفتاء إن هناك فارقٌ كبير وبونٌ شاسع ما بين الوسيلة والشرك؛ فالوسيلة مأمور بها شرعًا في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ [المائدة: 35]، وأثنى سبحانه على مَن يتوسلون إليه في دعائهم فقال: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾ [الإسراء: 57].

والوسيلة في اللغة: المنزلة، والوصلة، والقربة؛ فجماع معناها هو: التقرب إلى الله تعالى بكل ما شرعه سبحانه، ويدخل في ذلك تعظيم كل ما عظمه الله تعالى من الأمكنة والأزمنة والأشخاص والأحوال؛ فيسعى المسلم مثلًا للصلاة في المسجد الحرام والدعاء عند قبر المصطفى صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والملتزم تعظيمًا لما عظمه الله من الأماكن، ويتحرى قيام ليلة القدر والدعاء في ساعة الإجابة يوم الجمعة وفي ثلث الليل الآخر تعظيمًا لما عظمه الله من الأزمنة، ويتقرب إلى الله بحب الأنبياء والأولياء والصالحين تعظيمًا لمَن عظمه الله من الأشخاص، ويتحرَّى الدعاء حال السفر وعند نزول الغيث وغير ذلك تعظيمًا لما عظّمه الله من الأحوال.. وهكذا، وكل ذلك داخل في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

أما الشرك فهو صرف شيء من العبادة لغير الله على الوجه الذي لا ينبغي إلا لله تعالى، حتى ولو كان ذلك بغرض التقرب إلى الله كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: 3]، وإنما قلنا: "على الوجه الذي لا ينبغي إلا لله تعالى" لإخراج كل ما خالف العبادة في مسماها وإن وافقها في ظاهر اسمها؛ فالدعاء قد يكون عبادة للمَدْعُوّ: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا﴾ [النساء: 117]، وقد لا يكون: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضًا﴾ [النور: 63]، والسؤال قد يكون عبادة للمسؤول: ﴿وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: 32]، وقد لا يكون: ﴿لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ [المعارج: 25].

والاستعاذة قد تكون عبادة للمستَعاذ به: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾ [النحل: 98]، وقد لا تكون؛ كما في "صحيح مسلم" من حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه: أنه كان يضرب غلامه، فقال: أعوذ برسول الله، فتركه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَاللهِ للهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ»، فأعتَقَه، والاستعانة قد تكون عبادة للمستعان به: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: 5]، وقد لا تكون: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45]، والاستغاثة قد تكون عبادة للمستغاث به: ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: 9]، وقد لا تكون: ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ [القصص: 15].

والقنوت قد يكون عبادة للمقنوت له وقد لا يكون؛ كما جمع الله تعالى ذلك في قوله سبحانه: ﴿وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا﴾ [الأحزاب: 31]، والطاعة قد تكون عبادة للمطاع وقد لا تكون؛ كما في الأمر بطاعة الله ورسوله وطاعة العبد لسيده وطاعة الزوجة لزوجها وطاعة الولد لأبيه.

والحب قد يكون عبادة للمحبوب وقد لا يكون؛ كما جمع النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ذلك في قوله: «أَحِبُّوا اللهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللهِ، وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي» رواه الترمذي وصححه الحاكم.. وهكذا، أي أن الشرك إنما يكون في التعظيم الذي هو كتعظيم الله تعالى؛ كما قال عز وجل: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا للهِ أَنْدَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 22]، وكما قال سبحانه: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًا للهِ﴾ [البقرة: 165].
وبذلك يتبين لنا فصل ما بين الوسيلة والشرك؛ "فالوسيلة" نعظم فيها ما عظمه الله؛ أي: أنها تعظيم بالله، والتعظيم بالله تعظيم لله تعالى؛ كما قال جل جلاله: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ﴾ [الحج: 32]، كما أن طاعة الرسول طاعة لله: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ﴾ [النساء: 80]، ومبايعته مبايعة لله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [الفتح: 10].
أما "الشرك" فهو تعظيم مع الله أو تعظيم من دون الله؛ ولذلك كان سجود الملائكة لآدم عليه السلام إيمانًا وتوحيدًا، وكان سجود المشركين للأصنام كفرًا وشركًا مع كون المسجود له في الحالتين مخلوقًا، لكن لما كان سجود الملائكة لآدم عليه السلام تعظيمًا لما عظمه الله كما أمر الله كان وسيلة مشروعة يستحق فاعلها الثواب، ولما كان سجود المشركين للأصنام تعظيمًا كتعظيم الله كان شركًا مذمومًا يستحق فاعله العقاب.
وعلى هذا الأصل في الفرق بين الوسيلة والشرك بَنَى جماعة من أهل العلم قولهم بجواز الحلف بما هو معظم في الشرع؛ كالنبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، والإسلام، والكعبة، ومنهم الإمام أحمد رحمه الله تعالى في أحد قوليه؛ حيث أجاز الحلف بالنبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم معللًا ذلك بأنه صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أحد ركني الشهـادة التي لا تتم إلا به؛ وذلك لأنه لا وجه فيه للمضاهاة بالله تعالى، بل تعظيمه بتعظيم الله له، وحمل هؤلاء أحاديث النهي عن الحلف بغير الله على ما كان من ذلك متضمنًا للمضاهاة بالله، بينما يرى جمهور العلماء المنع من ذلك أخذًا بظاهر عموم النهي عن الحلف بغير الله.

وفي بيان مأخذ الأولين وترجيحه يقول الإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى: [اختلف أهلُ العِلم في معنَى النهي عن الحَلِف بغير الله؛ فقالت طائفة: هو خاصٌّ بالأيْمانِ التي كان أهلُ الجاهلية يحلفون به تعظيمًا لغير الله تعالى؛ كاللات، والعُزَّى، والآباء، فهذه يأثَم الحالف بها ولا كَفَّارَة فيها، وأمَّا ما كان يَؤُولُ إلى تَعْظِيم الله كقولِه: وحَقِّ النَّبِيِّ، والإِسْلام، والحَجِّ، والعُمْرَةِ، والهَدْيِ، والصَّدَقَةِ، والعِتْقِ، ونحوها مِمَّا يُراد به تعظيمُ الله والقُرْبَةُ إليه فليس داخلًا في النَّهْي، وممَّنْ قال بذلك أبو عُبَيْدٍ وطائفةٌ مِمَّنْ لَقِينَاه، واحْتَجُّوا بِمَا جاء عن الصَّحابة مِن إيجابهم على الحالف بالعِتْقِ والهَدْيِ والصَّدَقَةِ ما أَوْجَبُوهُ مَعَ كَوْنهم رَأَوْا النَّهْيَ المَذْكُور، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عِنْدهمْ لَيْسَ عَلَى عُمُومه؛ إِذْ لو كان عامًّا لَنَهَوْا عَنْ ذَلِكَ ولم يُوجِبُوا فيه شَيْئًا] اهـ نقلًا من "فتح الباري" للحافظ ابن حجر (11/ 535، ط.ط. دار المعرفة).