الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
أحمــد صبـري

سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد.. فهل معنى ذلك أن النار ستفنى؟

هل النار تفنى؟
هل النار تفنى؟

سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد.. هل يعني أن النار ستفنى؟ سؤال يشغل ذهن الكثيرين خاصة ممن يبحثون عن أقوال الصحابة في فناء النار، وهل القول بفناء النار كفار، هذا ما نجيب عنه في السطور التالية.

سيأتي على جهنم يوم لا يبقى فيها أحد.. فهل عني أن النار ستفنى؟ 

قالت دار الإفتاء إن هناك نصوص شرعية دلت صراحة على خلود النار أو خلود أهلها فيها، والتي تبلغ (37) آية من القرآن الكريم، وهذا بخلاف الآيات التي في معنى الخلود أو تفيده؛ كقوله تعالى: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ﴾ [البقرة: 86] وغيرها من الآيات الكريمة كثير في هذا المعنى جدًا، كما أن الآيات الدالة على خلود أهل الجنة بلغت نحو أربعين آية.

وشددت على هذه الكثرة من الآيات المثبتة لبقاء النار وخلود أهلها فيها؛ لأن هذا الحد البالغ من الكثرة -كما يقول شيخ الإسلام التقي السبكي-: يمنع من احتمال التأويل، ويوجب القطع بذلك، كما أن الآيات الدالة على البعث الجسماني لكثرتها يمتنع تأويلها، ومن أولها حكمنا بكفره بمقتضى العلم جملة، وإن كنت لا أطلق لساني بتكفير أحد معين. اهـ. "الاعتبار ببقاء الجنة والنار" (ص: 46 بتصرف، طبعة خاصة بالمحقق الدكتور طه دسوقي حبيشي).

وقد ورد من السنة ما يدل على خلود الكفار في النار، منها  حديث أنس رضي الله عنه -المتفق عليه- الذي روي في شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه قال صلى الله عليه وآله وسلم: «فَأُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ، وَأُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ حَتَّى مَا يَبْقَى فِي النَّارِ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ القُرْآنُ»، وكان قتادة يقول عند هذا: أي: وجب عليه الخلود، مبينة أن الحديث فيه دلالة على أن من أهل النار من يخلد في النار، وهم الذين قد أخبر القرآن بأنهم خالدون في النار؛ كما في قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ [الجن: 23].

وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُومُ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ فَيَقُولُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ لَا مَوْتَ، كُلٌّ خَالِدٌ فِيمَا هُوَ فِيهِ».

قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" لابن حجر العسقلاني (11/ 421، ط. دار المعرفة): [قال القرطبي: وفي هذه الأحاديث التصريح بأن خلود أهل النار فيها لا إلى غاية أمد، وإقامتهم فيها على الدوام بلا موت ولا حياة نافعة ولا راحة؛ كما قال تعالى: ﴿لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا﴾ [فاطر: 36]، وقال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾ [السجدة: 20]، قال: فمن زعم أنهم يخرجون منها، وأنها تبقى خالية، أو أنها تفنى وتزول فهو خارج عن مقتضى ما جاء به الرسول وأجمع عليه أهل السنة] اهـ.

كما أخرج أحمد وابن ماجه -واللفظ له- وابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ وَجِلِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَيُقَالُ: هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، قَالَ: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَاهُمَا: خُلُودٌ فِيمَا تَجِدُونَ، لَا مَوْتَ فِيهَا أَبَدًا». ففي الحديث دلالة على بطلان دعوى فناء النار؛ لأنه جعل النار كالجنة من حيث خلود أهل الجنة فيما هم فيه من النعيم، فكذلك أهل النار خالدون فيما هم فيه من العذاب إلى الأبد، فكما أن الجنة لا تفنى أبدًا فكذلك النار لا تفنى أبدًا.

وأوضحت الإفتاء أن المراد من قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [هود: 107] التأبيد ونفي الانقطاع على منهاج قول العرب: (لا أفعل كذا ما لاح كوكب) أو (وما أضاء الفجر) أو (وما اختلف الليل والنهار) إلى غير ذلك من كلمات التأبيد عندهم، فإن العرب إذا أرادت أن تصف الشيء بالدوام أبدًا قالت: (هذا دائم دوام السماوات والأرض)، فخاطبهم سبحانه وتعالى بما يتعارفون به بينهم، وليس المقصود منه تعليق قرارهم فيها بدوام هذه السماوات والأرض، فإن النصوص القاطعة دالة على تأبيد قرارهم فيها.

وأما قوله تعالى: ﴿لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا﴾ [النبأ: 23] متعلق بما بعده، وهو قوله تعالى: ﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا ۞ إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا﴾ [النبأ: 24-25]، أي: لابثين فيها أحقابًا في حال كونهم لا يذوقون فيها بردًا ولا شرابًا إلا حميمًا وغساقًا، فإذا انقضت تلك الأحقاب عذبوا بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق، ويدل لهذا تصريحه تعالى بأنهم يعذبون بأنواع أخر من أنواع العذاب غير الحميم والغساق في سورة ص: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ ۞ وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾ [57-58]. راجع: "تفسير الطبري" (24/ 26-27).

ومن الآثار التي استدلوا بها: ما أخرجه الطبراني عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيَأْتِيَنَّ عَلَى جَهَنَّمَ يَوْمٌ كَأَنَّهَا زَرْعٌ هَاجَ وَآخَرُ تَخْفِقُ أَبْوَابُهَا»، ويجاب عليهم بأن الحديث موضوع فلا يصح الاستدلال به، قال ابن الجوزي في كتابه "الموضوعات" (3/ 268، ط. أضواء السلف والمكتبة التدمرية): [هذا حديث موضوع محال، وجعفر هو ابن الزبير، قال شعبة: كان يكذب، وقال يحيى: ليس بثقة، وقال السعدي: نبذوا حديثه، وقال البخاري والنسائي والدارقطني: متروك] اهـ.

ومنها أيضًا ما رواه عبد بن حميد في "تفسيره" عن الحسن قال: قال عمر رضي الله عنه: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالجٍ لكان لهم على ذلك يوم يخرجون فيه. انتهى، فهو أثر منقطع؛ لأن الحسن لم يسمع من عمر، والمنقطع عند أهل الحديث من قبيل الحديث الضعيف، والضعيف لا يحتج به في هذه المسائل.

أقوال الصحابة في فناء النار

وشددت في الإجابة عن الآثار التي وردت عن الصحابة هو ما قاله الشيخ الصنعاني في "رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار" (ص: 77، ط. المكتب الإسلامي) -بعد أن أوردها جميعًا، وناقش وجه الدلالة فيها، وبين المراد الصحيح منها-: [وبهذا تعرف أنه لا يصح نسبة القول بفناء النار وذهابها إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما نسب هذا القول الذي نقل عنهما إلى عمر رضوان الله عليهم، بل هو الدليل على بقاء النار بعد خروج من يخرج منها من أهل التوحيد، فكيف يقول شيخ الإسلام في صدر المسألة: إن القول بفناء النار نقل عن ابن مسعود وأبي هريرة وإنما مستنده في نسبة ذلك إليهما هذان الأثران اللذان هما بمراحل عن الدلالة على فناء النار وذهابها بعد صحتهما، فعرفت بطلان نسبة هذا القول إلى ابن مسعود وأبي هريرة كما عرفت بطلان نسبته إلى عمر...، وبعد تحقيقك لما أسلفناه وإحاطتك علما بما سقناه تعلم أن هؤلاء الأربعة من الصحابة -الذين هم عمر وابن مسعود وأبو هريرة وأبو سعيد رضي الله عنهم- الذين عين شيخ الإسلام أسماءهم من الصحابة في صدر المسألة، وذكر أنه نقل عنهم القول بفناء النار وذهابها وتلاشيها؛ هم بريئون من هذا القول ومن نسبته فناء النار إليهم براءة الذئب من دم ابن يعقوب، واستدل لهم بما ادعاه منسوبًا إليهم بما لا مساس له بالدعوى كما عرفت، وحينئذ يعلم أنه ليس معه في دعواه فناء النار أحد من الصحابة الذين عينهم] اهـ.

واختتمت عليه: فإن القول بفناء النار الذي قال به الإمامان ابن تيمية وابن القيم، مخالفٌ لما عليه معتقد أهل السنة والجماعة، ولا يجوز اعتقاد مثل هذا المذهب.