قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

عماد فؤاد مسعود يكتب: هِجاءٌ حميم لعالمنا العربي !

عماد فؤاد مسعود  - كاتب وشاعر فلسطيني
عماد فؤاد مسعود - كاتب وشاعر فلسطيني

امتازَ العربي في موروثاته الثقافية والتاريخية بإعادة إنتاج الماضي، وأحياناً اختراعه، واستغرق في الحديث عما يحلم به أكثر من الحديث عمّا يعيشه فعلاً!

لقد تضاءل وتقلّص معنى الحياة وتجلياتها في خيال العربي فأصبح مفهوم البقاء على قيد الحياة هوَ الامتياز، وليس كيف يعيش وصار الحد الأدنى من متطلبات الحياة مطلباً وجودياً لديه، هنالك رواية روسيه عن شاب كان يدّعي بين أبناء جيله بأنه كان يمكن أن يكتب أهم مما كتبه ماكسيم غوركي وتولوستوي او حتى ديستوفيسكي، ولكن مرض أمه المعضل ووجوده إلى جوارها كان يَحول دون تحقيقه لهذا الحلم، وبعد سنوات توفيت والدته وكما هو متوَقّع لم يصبح ذلك الشاب شيئاً ولم يكتب روايه واحده ولم يبرع في أي شيء وإنما امتهن ما يمتهنه الكثير من شبابنا العربي في عزو كل تخلفات العقل وعدم اللحاق بالنهضة والتقدم والابتكار لأسباب إما شخصيه أو تخص الدولة وغياب الفرص والبيئة المُحفزه.

أمواتٌ تأجّلَ دَفنُهم

في الحقيقة عدم الرغبة في التغيير والبقاء في ذات الخندق، هذا ليس إلا شكلاً من أشكال المازوخية والتي يستمتع بها المرء في تعريضه للتعذيب او الإذلال، بحيث ينتشي بآلامه.

واذا ما تعرّض للسؤال فهنالك أجوبة مُعلّبة وجاهزه لتبرير كل الفشل الذي يحيط به،ابتداء من الرأسمالية وتوغلها الوحشي وانتهاء بأن الفقير أصبح كذلك لانه لم يتواطأ ولم يكذب ولم يسرق وقايضَ مُتع الحياة بكرامته وحافظَ عليها.. على اعتبار بأن كل ذكي وناجح فهو سارق وخائن لوطنه بالضروره!

الهروب من الحياة قد يمارسه أكثر الناس مُطالبين بالحياة، لأن إتقانها باهظ الثمن ويحتاج لاستمراريه ونمو مستمر وتثقيف دوري للذات وعدم عودة للوراء، لذلك يُفضّل الكثير منا البقاء من المنطقة الآمنة دون الخضوع المستمر للتقييم والنقد أو انتظار صفعة مفاجئة من الحياة تعيدنا للخلف.

كتب هنري ميلر ذات يوم أن الانسان إن لم يجد عدواً يخترعه، كي يبرر تخلّفه عن الحياة بِخَوضِ معاركه الصغيرة والتي بواقعها لا تُفضي إلى شيء.

إن الفرار من الذات واستحقاقاتها في هذه الحياة ليس تأجيلاً لسن الرشد وتحرر الانسان من التزاماته الاخلاقيه والدينيه والاجتماعيه والثقافيه تجاه اهله ومجتمعه ووطنه وخالقه،،، هو تنصّل من التِعداد الادمي، بحيث تعيش كلائمٍ لا تُلام وبذلك تتجاوز الحيوانية على الادمية وكما يطلق في ثقافتنا المدرسيه على هؤلاء الناس بالبهائم!

كل ما سبق ليس انتقاداً بقدر ما هو نوع من الهجاء الحميم لعالمنا العربي الذي أحلم برؤيته بأبهى وأبهج صوره،ولأنني عربي عاجز عن اليأس، ولم اعرف شعور فقدان الأمل ولم أجرّب،سأنتظر... إلى آخرِ الدُنيا.

عَيشٌ بلا انتظار كآبة!

وكما هو الانتظار أكثر ما يحاول البشر تجنبّه ولكنه في بُعده الاخر ومعناه الجميل هو إعطاء معنى للوقت والخيال، فلا قيمة للحياة دون انتظار الوصول، أو المحبوب، أو تحقيق الحلم أو ربما انتظار المولود الأول ولدى المؤمنين ليس ما هو أعظم من انتظار الجنّة !