قناة صدى البلد البلد سبورت صدى البلد جامعات صدى البلد عقارات Sada Elbalad english
english EN
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل
الإشراف العام
إلهام أبو الفتح
رئيس التحرير
طه جبريل

منى أحمد تكتب : ناصر

صدى البلد

54 عاما مرت علي غياب جمال عبد الناصر، ولم يخلد زعيم في ذاكرة الشعوب مثلما خلد ناصر, فزعامته لم ينته بريقها برحيله المفاجئ بل ازدادت قوة وأتسع تأثيرها ،وانتقلت لأجيال لم تعاصره افتتانا بمشروعه السياسي, فهو النموذج الثوري الإصلاحي لشعوب طامحة إلي التحرر , لذلك انطبعت صورته في قلوب ملايين المحبين عبر العالم  قبل أن تكتب علي صفحات التاريخ.

 
وقد حظي ناصر بشعبية طاغية تخطت حدود الوطن الأم، وكان أحد أهم الزعامات لشعوب المنطقة العربية ودول العالم الثالث في أفريقيا وآسيا و دول أمريكا اللاتنية لمواقفه الداعمة لطموحاتهم ، لذلك كان من المألوف أن تجد في كل عاصمة من عواصم تلك الدول ميدانا  يحمل اسمه أو تمثالا له. 

وكانت التجربة الناصرية انعكاسا صادقا  للشغف العربي بالاستقلال والأمل في بناء تاريخ مشترك، لذلك أحتل ناصر مكانة رفيعة من المحيط إلي الخليج  ترجمتها العديد من المواقف ، فخلال زيارة الزعيم جمال عبدالناصر للمغرب، ومرور موكبه في صحبة ملك المغرب أصطف المواطنون لتحية ضيف مصر الكبير, فإذا برجل مغربي بسيط  يقف أمام الموكب الذى يشق طريقه بصعوبة بين الجماهير الغفيرة, وبيده ورقة يبدو أنها شكوى أو طلب ومد يده بالورقة لعبد الناصر, فابتسم للرجل وأشار إليه أن يعطى الورقة لملك المغرب, فهو من يستطيع حل أى مشكلة أوتلبية أي مطلب لمواطنيه, فرفض الرجل إلا أن يسلمها لعبدالناصر، فسأله عبدالناصر مبتسما أليس هذا ملكك ,أجابه الرجل أو ألست أنت شيخ مشايخ العرب, فضحك ملك المغرب وعبدالناصر وأخذ منه الورقة.


موقف أخر يعكس ولع الشعوب العربية بالزعيم الخالد، عندما حملت الجماهير السورية سيارته علي الأكتاف اثناء زيارته لسوريا عقب الوحدة ، ولم تكن هذه هي الواقعة الوحيدة ويتكرر المشهد مرة أخري في الخرطوم عقب كبوة67، في إعلان عن الدعم المطلق غير المشروط في الزعيم العربي ،وهو ما أثار الدهشة، فالزعيم المهزوم بالنسبة للعالم لم تهتز صورته أمام محبيه ولم يفقد شعبه الثقة فيه ،فخرج بالملايين عقب إعلانه التنحي يطالبه بالبقاء والاستمرار.

 
ويذكر الأديب الفرنسي أندريه مارلو وهو يعقد مقارنة بين نابليون وجمال عبدالناصر، في مقاربة إلى الهزيمة العسكرية، قال لقد وجدت أمتنا نفسها في نابليون كما وجدت أمتكم نفسها في جمال عبدالناصر، المسألة ليست نصر أوهزيمة, المسألة هي إرادة أمة وتقديرها للبطل حين تجد نفسها فيه.

فانبليون الذي قضي نحبه في المنفي يعاني مرارة الهزيمة , كرمه وطنه بعد سنوات، حينما عادت فرنسا إلي مجدها كأحد الدول الاوربية العظمي ووضعته علي رأس قائمة زعمائها الخالدين ,بل وعمدت إلى تصميم مدخل قبره، حيث جعلت ارتفاع الباب منخفضاً بشكل مقصود ، حتى تجبر من يدخل إلي مقبرته على الانحناء إجلالاً وأحتراما لقائدهم.


والمفارقة هنا أن هذا هو تناول أحد كبار الأدباء الفرنسيين،رغم مواقف فرنسا من ناصر نتيجة سياساته المساندة  والداعمة للحركات التحررية ضد الأستعمار في العالم ، ومنها الأستعمار الفرنسي وجاء  تناولا منصفا رغم مرارة فلسفة الهزيمة. 


فكر ناصر نهجا وممارسة كان صانعا للتاريخ ، وكاريزما سياسية صنعت زعامة ممتدة متجاوزة الجغرافيا المكانية والحقبة الزمانية، لتعبر عبر أكثر من نصف قرن من الزمان إلي الأجيال المتتالية التي لم تعاصر ناصر وتتحول لأسطورة لا تغيب ،وفكرة إنسانية قادرة علي تحقيق المستحيل.


والمثير أن يتساوي مؤيدوه ومعارضوه في تقدير هذه المكانة  فنادرا ما يجتمع العالم علي محبة زعيم ، فناصر رجل اتسعت همته لآمال أمته ، قاد نضالها وبات الفارس المخلص الذي جاء الي مخزون تاريخي أسيرا مقهورا مكبوتا ليحرره من عقد الخوف والتبعية وينطلق به من الأمال الحبيسة إلي الفضاء الرحب. ورغم قصر حياته إلا أنها  مثلت فصلا استثنائيا فى التاريخ ومحورا هاما  دارت في فلكه متغيرات كثيرة.

-