ِفي تطور عسكري هو الأخطر منذ سنوات، تسببت المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران في هزة عنيفة لأسواق المال والطاقة، دفعت بأسعار النفط إلى الارتفاع الحاد، وأعادت شبح التضخم العالمي إلى الواجهة، ومع التهديد بإغلاق مضيق هرمز، تصاعدت المخاوف من نقص الإمدادات النفطية، ما انعكس فورًا على أسعار الطاقة وأربك حسابات البنوك المركزية الكبرى.
في المقابل، اتجهت أنظار المستثمرين إلى الذهب، الذي قفز إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، باعتباره ملاذًا آمنًا وسط تصاعد التوترات، وبينما تراجعت مؤشرات الأسهم وتذبذبت العملات، برز السؤال الأهم: ما هو الاستثمار الآمن في زمن الحرب؟
خبراء الاقتصاد يرون أن الحل يكمن في التنويع الذكي، عبر مزيج من الأصول الدفاعية مثل الذهب، وأسهم شركات الطاقة والتسليح، إلى جانب السيولة النقدية، لتأمين المدخرات من تقلبات قد تغير شكل الاقتصاد العالمي في أي لحظة
قال الدكتور محمود عنبر أستاذ الاقتصاد إن الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل جاءت في توقيت بالغ الحساسية، في ظل أوضاع اقتصادية عالمية غير مستقرة منذ تفشي جائحة كوفيد-19، مشيرًا إلى أن الاقتصاد العالمي لا يزال يعاني من تداعيات متتالية لم يتح له الوقت الكافي للتعافي منها.
وأوضح في تصريحات صحفية أن العالم لم يكد يخرج من أزمة الرهن العقاري والأزمة المالية العالمية التي وقعت قبل أكثر من عقد، حتى فوجئ بحرب روسيا وأوكرانيا، وما تبعها من تغيرات متسارعة على مستوى العالم، مؤكدًا أن هذه التغيرات، رغم أنها تحدث بمعزل عن بعضها، فإن تأثيراتها مترابطة وتمس ليس فقط الدول المنخرطة في الصراعات، بل تمتد إلى الاقتصادات العالمية كافة.
وأضاف أن أبرز تداعيات هذه التغيرات كانت التباطؤ الواضح في حركة التجارة العالمية، وتراجع تدفق الاستثمارات، وهو ما رصدته تقارير منظمات دولية، إلى جانب تراجع معدلات النمو الاقتصادي، في ظل حالة من الضبابية وانعدام اليقين باتت تسيطر على المشهد الاقتصادي الدولي.
وأشار إلى أن ما يزيد من غموض الموقف الاقتصادي العالمي هو استمرار هذه التغيرات ى السريعة، والتي بدأت تعيد تشكيل الخريطة الاقتصادية الدولية، ولفت إلى بروز قوى إقليمية جديدة تسعى لمنافسة الولايات المتحدة، في وقت بدأ فيه العالم يتحول من القطبية الواحدة إلى الثنائية وربما نحو التعددية القطبية، مشددًا على أن هذا التحول لا يزال غير محسوم، لكن ما يثير القلق هو الاعتماد المتزايد على الأدوات الاقتصادية في إدارة الصراعات.
وقال إن استخدام العقوبات الاقتصادية أصبح سلاحًا رئيسيًا في النزاعات، سواء عبر فرضها بشكل مباشر أو الرد عليها من الطرف الآخر، مثلما حدث مع استخدام سلاح الطاقة والغذاء.
وأوضح أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تطورت من مجرد رفع رسوم جمركية إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية، وانتهت إلى ما يشبه “الخنق الصناعي”.
وأكد أن التطور الأخطر حاليًا هو ما يجري في منطقة الخليج، خاصة مع التهديدات المتزايدة بإغلاق مضيق هرمز، وهو ما لم يحدث بهذا الشكل منذ عام 1980.
واعتبر أن أي خطوة في هذا الاتجاه سيكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي، لاسيما الاقتصادات العربية والخليجية، حيث أن أي ارتفاع في أسعار النفط قد يبدو مفيدًا ظاهريًا، لكنه سيقود إلى مزيد من التباطؤ في حركة التجارة الدولية وارتفاع حاد في تكاليف النقل والطاقة.
وحول فرص الاستثمار، شدد الخبير على أنه لا يمكن الحديث عن استثمار آمن في ظل هذه الظروف، موضحًا أنه في حال استمرار الأزمة، لن يكون بمقدور أحد التنبؤ بما قد يحدث، لأن المشهد يتغير بشكل سريع وغير قابل للتوقع.
وأضاف أن الحديث عن اللجوء إلى استثمارات تقليدية مثل الذهب أو العقارات باعتبارها “ملاذات آمنة” لم يعد دقيقًا، قائلًا: “حتى الذهب لم يعد استثمارًا مضمونًا، لأنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا بسعر الدولار، ولا أحد يستطيع التكهن بمصير العملة الأمريكية خلال الفترات القادمة”.
واختتم تصريحاته بالتأكيد على أنه لا يمكن الحديث عن تنمية اقتصادية أو استثمارات طويلة الأجل، طالما أن الاستقرار السياسي غائب، معتبرًا أن اللايقين السياسي، وأضاف المنطقة والعالم يعيشان مرحلة فارقة لا تسمح ببناء رؤى اقتصادية مستقرة في المدى القريب