في مشهد بات يتكرّر بشكل يثير القلق، شهدت مصر خلال الأيام الماضية سلسلة من الحرائق المفزعة التي طالت منشآت حيوية ومواقع استراتيجية في العاصمة وعدد من المحافظات، بدايةً من المصانع والمخازن، مرورًا بالمولات التجارية، وصولًا إلى مراكز تشغيل خدمية مهمة مثل سنترال رمسيس بوسط القاهرة.
ولم تقتصر آثار تلك الحوادث على الخسائر المادية الفادحة فحسب، بل امتدت لتشمل تعطل الخدمات الأساسية، وتهديد أرواح المواطنين والعاملين في هذه المنشآت.
التكرار اللافت لهذه الحوادث، وفي أماكن متفرقة وظروف متشابهة، يكشف عن خلل في منظومات السلامة المهنية داخل المؤسسات العامة والخاصة، ويطرح تساؤلات جدية حول فعالية إجراءات الوقاية، وجدوى منظومات الإنذار المبكر، ومدى التزام المنشآت باشتراطات الحماية المدنية.
وما يزيد من خطورة الوضع هو استمرار عمل العديد من المخازن والمحال، خصوصًا في المناطق التجارية الكبرى، دون تراخيص قانونية أو مراعاة لاشتراطات الحماية المدنية، ما يحوّل تلك المواقع إلى قنابل موقوتة.
وقال حمدي عرفة، خبير الإدارة الحكومية والمحلية، في تصريحات خاصة لموقع "صدى البلد"، إن أحد الأسباب الرئيسية لتكرار هذه الكوارث هو غياب منظومة سلامة مهنية دقيقة، فضلًا عن أن بعض المحال والمخازن، لا سيما في مناطق مثل وسط البلد، تعمل دون تراخيص أو اشتراطات حماية مدنية. وأضاف: "لم يعد مقبولًا أن نُفاجأ بحريق كل أسبوع، في غياب تام للتدابير الاستباقية".
وأشار خبير الإدارة الحكومية إلى أن هناك فجوة كبيرة بين عدد مفتشي السلامة والصحة المهنية من جهة، وحجم المنشآت الحكومية والخاصة من جهة أخرى، وهو ما يعود إلى قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، الذي لا يُلزم بتوفير العدد الكافي من المفتشين، ولا يضع آليات رقابية فعالة داخل المؤسسات.
وأوضح أن المادة (25) بند (1) من قانون الإدارة المحلية رقم 43 لسنة 1979 تُلزم المحافظين باتخاذ قرارات بديلة وتنسيق الجهود لمواجهة الأزمات التي تمس المواطنين، ومنها الحرائق.
وشدّد عرفة على أن علم إدارة الأزمات يعتمد على ثلاث مراحل رئيسية: التنبؤ بالأزمة، ووضع استراتيجيات بديلة قبل وقوعها، ثم التخطيط الدقيق للتعامل مع الأزمة أثناء حدوثها، وأخيرًا إدارة ما بعد الأزمة.
وللحد من تكرار الحرائق، دعا خبير الإدارة المحلية إلى تطبيق مجموعة من الإجراءات العاجلة، من بينها تركيب أنظمة إنذار مبكر، واستخدام مرشّات مياه تعمل أوتوماتيكيًا، وتخصيص أماكن تخزين آمنة للمواد القابلة للاشتعال، إلى جانب تدريب العاملين داخل المؤسسات على طرق الإخلاء والطوارئ، والتأكّد من وجود مخارج طوارئ واضحة وسهلة الوصول.
وفيما يتعلق بدور الدفاع المدني، دعا عرفة إلى استخدام أدوات متقدمة مثل الطائرات أو معدات حديثة، كما هو متبع عربيًا ودوليًا.
وأضاف: "في دول أخرى، هناك استعدادات فنية وهندسية وفرق متخصصة داخل كل منشأة حكومية، تتعامل لحظيًا مع الحريق".
واختتم عرفة تصريحاته بالتأكيد على ضرورة تفعيل أدوات القانون، وتدريب الكوادر، وبناء منظومة حماية متكاملة تشمل أجهزة الاستشعار، وخطط الإخلاء، وفرق الاستجابة السريعة.